تنتشر في قسنطينة وعلى غرار باقي الولاياتالجزائرية، السوق السوداء للعملة الصعبة، هذه التجارة التي أخذت تتزايد بشكل ملفت للانتباه دون أن تعرف رادعا لها، خصوصا في خضم التغيرات الاقتصادية الحاصلة وتنوع المواسم الاجتماعية· وتعتبر منطقة باب الواد المعروفة ب ”لابراش” وكذا منطقة ”كزانوفا” من الفضاءات غير الرسمية للتعاملات المالية بقسنطينة، ويذهب البعض إلى أنها بورصة حقيقية لتصريف العملة الصعبة، مادامت محل تداول ملايين الدينارات يوميا وخاضعة لقانون العرض والطلب· وتشير تقديرات العارفين بخبايا بورصة ”كازانوفا” إلى أن أرباح تجار العملة تتراوح بين 4 و5 ملايين يوميا، وتتجاوز في كثير من الأحيان هذه القيمة في مواسم انتعاش صرف العملة في الجزائر، لاسيما عند اقتراب موعد الحج إلى البقاع المقدسة· وأصبحت هذه المنطقة فضاء مفتوحا لتداول كل أنواع العملات بداية من اليورو إلى الدولار الكندي، فبمجرد الاقتراب من المكان يتراءى لك منظر الشبان الذين اكتظت بهم ساحة باب الواد، يحملون بين أيديهم رزم الأوراق النقدية على امتداد الساحة حتى مدخلها· ويتعدى بيع وشراء العملات الفضائين المشهورين بقسنطينة السابق ذكرهما، لتطال تجارة الأورو أبواب البنوك والمصارف العمومية على وجه الخصوص، كما هو الحال بالنسبة لبنك الفلاحة والتنمية الريفية المتواجد بحي زعبان بالقرب من فندق ”سيرتا” الكبير والذي يشهد يوميا تواجدا مكثفا لشبان يحترفون بيع العملات أمام البنك، مسببين إزعاجا ملحوظا لسكان العمارة وتهديدا لأصحاب الأورو من المتقاعدين على وجه الخصوص· هذا وتتم عملية البيع والشراء في ممارسات غير قانونية على الملأ وأمام أنظار الجميع، والجانب المشترك بين كل الباعة هو كلمة ”أورو” (تشتري تبيع الأورو)، هذه هي العبارة التي يرددها كل من يقف سواء في ساحة ”لابراش” أو في منطقة كازانوفا· وقد حاولت ”البلاد” استطلاع ومعرفة أخبار السوق الموازية من خلال الاقتراب من السماسرة، الذين زادت أرباحهم هذه الأيام بزيادة العملة الصعبة التي تعرف ارتفاعا دام لأشهر في سابقة هي الأولى من نوعها، وخلال تجوالنا في ساحة باب الواد لاحظنا ارتفاع عملة الأورو، حيث بلغ 15,140 دينار للأوروالواحد· أما الدولار، فقد وصل إلى 98 دينارا للدولار الواحد· مع العلم أن سعر الأورو محدد في البنوك الوطنية ب 110 دنانير عند الشراء و112 دينارا في عملية البيع· وهذا حسب ما استقيناه من القرض الشعبي الجزائري· وهناك عدة قواعد تتحكم في سوق العملة، لاسيما الاورو والدولار باعتبارهما من أكثر العملات تداولا في السوق، ومن هذه العوامل التغيرات في سوق العملة الدولية· كما أن السوق تتغير باختلاف المواسم فمثلا الانخفاض الطفيف الذي عرفه الاورو في أيام العطل يعود إلى توفر العملة التي يأتي بها المغتربون وسرعان ما تعود للارتفاع من جديد في موسم العمرة والحج· هذا الالتهاب مرده الطلب الكبير عليه من طرف الحجاج والمعتمرين·· وبالنسبة للمغتربين، فإن صرف العملة التي يحضرونها معهم يضمن لهم عائدات أعلى لأن سعر الصرف يفوق بكثير ذلك المطبق في البنوك، وهذا ما أكده لنا ”رابح” وهو أحد أكبر تجار العملة في قسنطينة، حيث قال ”الناس يفضلون المجيء إلى هنا لأنهم يربحون أمولا كثيرة مقارنة بالبنوك”، وما زاد من استغرابنا قوله ”أنه يتعامل حتى مع أناس من خارج الوطن وبمبالغ ضخمة”· وقد شهدنا عملية شراء مبلغ قدره 120 مليون سنتيم تم خلالها منح رابح المبلغ بالعملة الوطنية على أساس أنه سيأخذ هذا المبلغ من فرنسا ويقوم بتحويله إلى الجزائر بطرقه الخاصة طبعا· ويبدو جليا أن بائعي العملات بقسنطينة أقوى بكثير من حملة محاصرة رجال الأمن لساحة البريد المركزي بقلب المدينة ومدخل الرصيف أوما يعرف ب”كازانوفا” والتي استغرقت حوالي ثلاثة أشهر كاملة في إحدى عمليات المراقبة للسوق السوداء للعملات على مستوى عاصمة الشرق، الحملة التي قللت من حيز المناورة لدى البائعين لم تعط أكلها بالشكل المنتظر للحد من هذا النشاط الذي لا يزال يفرض قواعده ويتعدى هذه الأماكن المعروفة السالفة الذكر وفي أوقات مختلفة وبطرق شتى· ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه إلى متى ستظل هذه البورصة غير الرسمية قائمة، وهل ستتدخل فعلا السلطات على الأقل للحد منها؟