بدعم من وزارة الثقافة أصدرت دار الأمير خالد بالجزائر للأديب الجزائري عزالدين جلاوجي ''الأعمال المسرحية غير الكاملة'' في 468صفحة من الحجم الكبير. ويضم الكتاب ثلاث عشرة مسرحية اختلفت في أحجامها وموضوعاتها ولكنها اتفقت جميعا في حملها للهم الإنساني عموما والجزائري والعربي على الخصوص، كما اتفقت في ظهور بصمة التجريب على كثير من المستويات خاصة اللغة وهندسة النص وبناء الشخصية. كتبت هذه النصوص المسرحية من سنة 1985إلى سنة 2006وترتبت تاريخيا كالتالي: فرات وملح 1985، رحلة فداء 1978، البحث عن الشمس 1989، النخلة وسلطان المدينة 1991، أحلام الغول الكبير 1992، الأقنعة المثقوبة 1993، أم الشهداء 1998، غنائية أولاد عامر 2002، التاعس والناعس 2006، وكذلك باقي المسرحيات الأخرى، سنفونية قابيل، من بلدها، نقمة الأرض، هي هن، وكان جلاوجي قد أصدر منذ زمن وجير وبدعم من وزارة الثقافة أيضا، كتابا بعنوان ''أربعون مسرحية للأطفال'' يضاف إلى كتابين نقديين آخرين في المسرح، الأول بعنوان ''النص المسرحي في الأدب الجزائري'' والثاني ''شطحات في عرس عازف الناي''، طبع الأول في الجزائر مرتين ودرس كل النصوص المسرحية الجزائرية، وطبع الثاني في اتحاد الكتاب العرب بسوريا وتناول بالنقد مسرحية عزف الناي لعلي عقلة عرسان. في مسرحيات السفر كانت قضية الصراع العربي الصهيوني حاضرة بقوة من خلال مسرحية ''البحث عن الشمس'' وهي مسرحية يرفعها صاحبها للطفل الشهيد جمال الدرة، كما كانت الثورة الجزائرية وما سجلته من بطولات وتضحيات جسام حاضرة أيضا من خلال مسرحية ''أم الشهداء''، وتكفلت تراثيا، المسرحية الغنائية أولاد عامر بذلك، وهي مسرحية تستحضر أجواء السيرة الهلالية في تغريبتهم الشهيرة ودخولهم بلاد المغرب، وامتزاجهم بالسكان المحليين. فيما كان للتاريخ العربي الإسلامي القديم حضوره اللافت أيضا من خلال مسرحيتي ''رحلة فداء'' التي تروي قصة الصحاب الجليل خبيب بن عدي، وإصراره على التضحية وفاء لأصحابه وتمسكا بأفكاره، ثم مسرحية فرات وملح التي عرضت لجلاء اليهود عن المدينةالمنورة بعد مكائدهم الكبيرة التي حاكوها ضد الدين الجديد، وقامت مسرحية الأقنعة المثقوبة، اجتماعيا، بهذا الدور حيث تصور شخصية الإنسان الجشع الأناني الانتهازي الذي يغير مواقعه وأفكاره ومنابره لتحقيق أهدافه الدنيئة ولو على حساب آلام الآخرين وعذابهم، ولعل حصة الأسد كانت للمسرحية السياسية، وذلك بثلاثة نصوص كاملة علما أن البعد السياسي موجود في كل المسرحيات تقريبا بل في كل كتابات جلاوجي، النصوص المسرحية هي ''التاعس والناعس'' ويستلهم فيها الكاتب التراث ويقيم الصراع فيها بداية بين شخصيتين متناقضتين الأولى تشقى في الحياة إيمانا منها أن الحياة كفاح وتضحية، والثانية ترى أن تحقيق الأماني يخضع للحظ والمصادفة لا غير خاصة في المجتمعات المتخلفة، وهو ما يتحقق فعلا حين يصير الناعس أميرا كبيرا على شعب لا تربطه به علاقة، الثانية هي ''أحلام الغول الكبير'' يكشف فيها عن عورات الحكام حين لا يهمهم إلا تحقيق أنانيتهم وإشباع رغباتهم ولو كانت على حساب شعوبهم، وفي مسرحية ''النخلة وسلطان المدينة'' يكشف الكاتب عن تأثير الحرب السلبية، وعن انهزام أصحاب الأفكار والقيم أما المتطفلين والانتهازيين الذي لا يظهرون إلا زمن الغنائم، كما يكشف عن ارتباط المجتمعات بالقشور على حساب الجوهر والعمق. ما يلاحظ على كل نصوص جلاوجي المسرحية هو رقي لغتها لدرجة معانقة الشعر ''فهو ليس من أنصار الفصحى في المسرح فحسب بل من المدافعين عن اللغة الشعرية الراقية على اعتبار النص هو العتبة الأولى للمسرحية''، وضمن نصوصه ورد نص واحد بالعامية هو نص ''غنائية أولا عامر'' ولكنها عامية متفاصحة، كتبها صاحبها على شكل الشعر المنثور في حرصه على الإيقاع خاصة الروي . ومن حيث الشكل تنوعت ''النصوص الجلاوجية'' كثيرا حيث ظهرت النصوص الأولى قصيرة جدا، كأن صاحبها يؤسس للمسرحية القصيرة جدا على غرار القصة القصيرة جدا، وهي ''سمفونية قابيل'' و''من بلدها'' و''نقمة الأرض'' وهي هن'' وفي كل منها صفحتان لا غير، مسرحية ''البحث عن الشمس'' وردت في فصل واحد رغم أنهما من ستين صفحة، بقية النصوص قسمها صاحبها إلى فصول ومشاهد ولوحات وملاحق، واعتمد الراوي أحيانا، بل وأدخل تقنية السرد حتى يعتقد القارئ أحيانا أنه يقرأ نصا روائيا. يكتشف القارئ ببساطة أيضا أن الكاتب عزالدين جلاوجي يعتمد الرمز في كثير من نصوصه المسرحية ويظهر ذلك بوضوح في ''البحث عن الشمس'' التي من شخوصها ''المقهور، الغريب، الربيب، ملك الشمس، الحلفاء''، وكذلك الأمر في المسرحيات السياسية.