رغم كثرة المآخذ التي أبدتها أحزاب المعارضة من مشاريع السلطة وتوجهها في الإصلاحات الذي وصفته بالسطحي، إلا أن لا شيء يثير مخاوف القائمين على البلاد والعباد، ببساطة لأن المعارضة تتجه نحو مشاركة واسعة في الانتخابات القائمة، سواء زورتها السلطة أو زوّقتها أو سوّقتها كبضاعة في سوق شهود الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، وهنا يفتح الرأي العام ملف شهود الانتخابات· قبل أيام قرأت تعبيرا ساخرا على موقع لأحد الأحزاب العلمانية المعروفة في الجزائر، وللأمانة فقد كان التعبير في قمة البلاغة، فهو يصف مراقبي الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية بالقول إن عمال مطار هواري بومدين يدركون حجم التزوير من خلال حجم الحقائب التي يعبر بها هؤلاء المراقبون أروقة المطار في طريق العودة إلى بلدانهم·
وبصرف النظر عن صحة هذا الاتهام، فإن تعبيره سخرية قاسية تعكس وعي الجزائريين بالأشياء، لا أحد مغفلا في البلد، ولا يمكن الاستخفاف بالناس طويلا، وحتى الاعتبارات التي كبحت جماح الرغبة في التمرد ولو من باب التقليد والمحاكاة في ربيع الثورات التي يعيشها العالم العربي، تلك الاعتبارات بدأت تفقد مبررات التمسك بها، لأن السلطة تقدم بدائل هشة لا تشبعئئ حاجات الناس من الحريات والشفافية والتداول السلمي، والانتخابات النزيهة، وحاجات كثيرة يرى شبابنا أنه من الضروري أن تمثل أيقونة في أنظمة الحكم التي تتولى تسيبر شؤونهم·
شهود الانتخابات يثيرون شكوك الناس خصوصا إن قدموا من الجامعة العربية أو الاتحاد الإفريقي، فالأولى فشلت فشلا ذريعا في تقدير المخاطر وهي تمنح تفويضا كاملا للغرب من أجل تدمير ليبيا والزج بها في حرب لن تخرج منها سالمة·
كما أن تجربة المراقبين العرب في المسألة السورية تثير الكثير من الشجون ذلك أن التقديرات العربية مازالت تفتقد الدقة والصواب فهي إما أن تمنح الغرب كل شيء أو تمنح الطغاة أدوات القتل وصلاحيات توسيع دائرة الحرب دون أن تقوى على رده أو ردعه، والثاني وأقصد الاتحاد الإفريقي فهو لا يتقاطع مع الأوروبيين إلا في مصطلح الاتحاد وشتان بين الشمال والجنوب، بين أوروبا وإفريقيا، وفي الجزائر لا أعتقد أن هناك من يؤمن بجدية الأفارقة وقدرتهم على مراقبة الانتخابات خصوصا في بلد مثل الجزائر التي يتطلب إمكانيات وقدرات عالية من أجل متابعة العملية الانتخابية في مراكزه ومكاتبه··
لذلك ستظل مسألة المراقبة والشهود عقدة تطارد شفافية الاستحقاقات عندنا مادامت السلطة تتفادى توفير الأطر الشفافة لتنظيم العملية التي قد لا تحتاج إلى الاستنجاد بالخارج للتغطية على ما لا يمكن التغطية عليه·
والمتعارف عليه أنها ليست المرة الأولى التي تستنجد فيها السلطة بالمراقبين الأجانب، وفي كل الحالات التي قدم فيها إلينا لم تنج الانتخابات من التزوير ومن التلاعب بالنتائج، بل إن استقدامهم كان فرصة للغلو في التزوير، لأن جماعة المراقبين لا تملك غير الإقامة الفاخرة في أبهة الفنادق والتجول وفق برنامج تسطره الإدارة التي تعرف جيدا مداخل وخارج المكاتب والصناديق، ومتى تزور ومتى تزوّق ومتى تسوّق نزاهتها المزعومة للمراقبين ولله في إدارتنا شؤون