كشفت موجة البرد القارس والثلوج التي تساقطت بكثافة منذ أزيد من ثمانية أيام وخصوصا في المدن الداخلية، العديد من النقائص التي يجب الالتفات إليها، خصوصا وأنها مرتبطة بالحياة اليومية للمواطن، فالتدفئة بالغاز ضرورة ولكن الأهم منها الطهي والمأكل والمشرب أيضا، والناس يستغيثون في المدن الداخلية والقرى والمداشر التي أصبحت محاصرة بالثلوج والبرد ونقص الإمكانيات، لكن السؤال الجوهري أين هو دور المئات من منظمات المجتمع المدني، التي من أهم أدوارها مرافقة المواطن في سرائه وضرائه؟ الغاز فضح الكثير عندما تسأل أي مواطن في ولاية تيزي وز، خصوصا في القرى والمداشر عن أحلامه وأمانيه يرد بملء الفم، والحسرة بادية على وجه أن يحلم بالحصول على قارورة”غاز”، نعم لقد أصبح أهم أحلام الجزائريين في قرانا ومداشرنا وولاياتنا الداخلية هو الحصول على قارورة غاز البوتان، بل وأكثر من ذلك هو أن يحصل عليها ولو بثمن باهض قد يتجاوز الألف دينار فيما هي تباع في السوق الشرعية ب200 دينار· المؤكد أن الغاز ليس هو الأهم في مثل حالة سكان ولايات تيزي وزو وبجاية وجيجل وميلة وقسنطينة في مثل هذه الظروف الطبيعية القاسية جدا، فهناك أمور حدثت ونقلتها عدسات الكاميرا على شاشة التلفزيون أو في القنوات الفضائية تحمل عنوانا عريضا ”أغيثونا نحن نموت من البرد”، وهو ما تقشعر له الأبدان عندما نشاهد مواطنين في تلك المدن قهرتهم ظروف الحياة من جهة لتواجدهم في الجبال والقرى البعيدة، حيث ينعدم النقل وظروف الحياة الكريمة، فهم بالأمس واجهوا الجماعات الإرهابية وهاهم اليوم يأخذون نصيبا آخر من مواجهة الثلوج التي تسببت في تشقق مساكنهم وانهيار بيوتهم وموت العديد منهم تحت ركام الثلوج البيضاء· أين هي الجمعيات وبحث في فائدة الهلال الأحمر؟! كما أن النقص الكبير في التموين وما فضحته موجة البرد القارس من ندرة في التموين بالحليب وأزمة الخبز، بسبب تعطلات التيار الكهربائي، تعري بشكل أو بآخر العديد من الجمعيات التي اختفت أو هي اليوم لا تمارس نشاطها المنضوي تحت شعاراتها في التضامن وخصوصا في مثل هذه الظروف، وهي نفسها الجمعيات التي غابت أمس واليوم وغدا عن إغاثة السكان في المدن الداخلية، رغم ضرورة وأهمية التضامن في مثل هذه الظروف، وهذا ليس غريبا على الشعب الجزائري الذي مر بالكثير من المحن والكوارث التي لولا تضافر جهود الجميع لكانت الأزمات أعمق والكارثة كبرى· من خلال التدخلات اليومية لإنقاذ المواطنين والسكان في المناطق الداخلية والنائية، يتضح أن الجيش والشرطة والدرك قدما الكثير للسكان بإنقاذهم وإيصال المؤونة لهم عندما تعذر عليهم ذلك، ولكن هذا في غياب شبه كلي للهلال الأحمر الجزائري، خصوصا وأنه أثبت نجاعته في عدة ظروف سابقة وخصوصا في كارثة الفيضانات التي شهدتها منطقة باب الوادي والزلزال الذي ضرب منطقة بومرداس والعاصمة·