مع أن ثمة علامات صغرى كبيرة لقيام الساعة، كأن يؤتمن الخائن ويصدق الكذاب ويُسند الأمر لغير أهله ويُستشار الجهلاء، مع ذلك، فإن قائمة تلك العلامات لم تشر من بعيد أو قريب إلى ما يمكن أن نسميه الانقلابات في الموقف العربي تجاه قضاياه الداخلية! حتى سنوات السبعينات، وبداية الثمانيات كان العرب من المحيط الى الخليج مقسمين إلى حزبين، الحزب الأول تمثله الدول الرجعية وهي مشكلة من دول الخليج العربي وكلها تسير في فلك الأمبريالية الأمريكية، والحزب الثاني تمثله الدول التقدمية وفي مقدمتها الجزائر وليبيا واليمن وسوريا، وهي دول وضعت قبلتها شطر قصر الكرملين في موسكو، ومنها تكونت مايسمى بجبهة الصمود والتصدي التي قامت كتكتل في مواجهة سياسة التطبيع مع اسرائيل التي دشنها السادات ”الخائن” قبل أن يرحل مغتالا ويترك الأمر ل”البنات”· المفارقة الآن أن الآية انقلبت، فالسعودية التي تمنع على النسوان قيادة السيارات ولا تقيم علاقات ديبلوماسية مع موسكو إلا في السنوات الأخيرة، وبالمقابل صارت الجزائر أو كعبة الثوار، كما كانت تسمى، متهمة ومصنفة كدولة رجعية ومعها التشكيلة القديمة بما فيها الدب الروسي، بعد أن أبدت مواقف مناوئة لأي اتجاه لتغيير الأنظمة العربية الضالمة، بواسطة حراك الشارع ولو بالعراك المسلح· وعندما تنقلب المواقف رأسا على عقب تحت أي سبب من الأسباب كحماية القانون الدولي من قانون الغاب أو باسم حقوق وعقوق الإنسان، يكون من اللازم كنوع من تفسير الغيب إدراج تلك الانقلابات (المخية والمصلحية) في خانة العلامات الصغرى لقيام الساعة! تضاف إليها كحالة كونية جديدة لم يرد ذكرها بعد في كتب الأثر، إلا إذا التقى الجمعان الرجعي والتقدمي بالصيغة الحالية على طاولة واحدة يتفقان فيها على وضع تفسير علمي محدد وموحد لفلسفة الحكم الراشد كما فعلا مع مصطلح التعذيب، وإن بدا الأمر صعبا حين فشلا في تحديد معنى الإرهاب·