حضرت منذ اليوم الأول للحملة الانتخابية تجمعات عدة لرؤساء أحزاب كبيرة وصغيرة، وبدا لي في خلاصة لما رأيته وسمعته أن المواطن الذي كان يجلس ويتابع خطابات الزعماء والقادة أكثر وعيا من أولئك الخطباء، فقد تحدث رئيس حزب سياسي كثيرا عن السلطة والأخطاء التي ترتكبها، كما تحدث مطولا عن شعبيته وآفاقها، لكن السيد المحترم لم يقل للمواطن ما هو فاعل بجيش البطالين، والفساد والرشوة والهيئة التشريعية والقضاء والنظام السياسي، ولم يقل لنا عن الحلول الاقتصادية للمشاكل المطروحة محليا ووطنيا، ولم يقل لنا عن بدائله، فانتهى تجمعه ثم بدأت فرق الرقص الشعبي في التزمير والتطبيل قبل أن.. يتفرق الجمع. ^^^ لا يولي الجزائريون اهتماما كبيرا لما يدور في حوانيت الأحزاب السياسية، بقدر اهتمامهم لما يدور في بورصة البطاطا والطماطم والبصل وما إلى ذلك من الخضروات التي وصلت أسعارها سقف أسعار الفواكه. ويتمنى المواطن لو أن السلطة وزعت صناديق البطاطا على الأسواق الوطنية، بدلا من توزيع صناديق التصويت على مراكز الاقتراع، والمواطن في حقيقة الأمر لم يعد يهتم كثيرا لخطاب الحكومة والمترشحين والمعارضين والموالين، مادام هؤلاء لايعنيهم سعر البطاطا ولا مستقبل الشباب الواقع تحت ضغط البطالة و «المعريفة» والوساطة. في بلادنا هنالك غليان لا تتعاطى السلطة مع حلوله بالشكل الصحيح، هنالك احتجاجات مطلبية في قطاع التربية والتعليم والعدالة والصحة والجماعات المحلية والنقل وغيره، صحيح أنها مطالب اجتماعية لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن توجه سياسي أو رؤية ايديولوجية معينة، لكن هذه الصورة المشوهة عن الحكم الراشد وعن إدارة شؤون البلاد والعباد قد تتلاقى عند منحنيات أخرى أكثر تأثيرا وخطورة على منحى هذه الاحتجاجات، فتصبح تهديدا للأمن الوطني ووحدة البلد على ضوء حراك مشبوه فيه الكثير من ألوان ورائحة تدخل الجوار. ^^^ طلب وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية يوم الخميس الماضي من ولاة الجمهورية عدم التسامح مع التزوير، وكمواطن متابع لما يجري من تحضيرات للتشريعيات القادمة تمنيت على الوزير أن يأمر الولاة بعدم التزوير، فقد ظلت مشكلتنا في ما يقوم به هؤلاء من إبداع في التزوير والتكوير ونفور الناس من صناديق الاقتراع مقابل تصويت الموتى والمرضى والعجزة، والولاة هم أساس العمود الذي ترتكز إليه الجماعات المحلية، فهم أمراء يأتمر جيش من الموظفيين الذين يعينهم رئيس الجمهورية بأوامرهم، وهم السلطة المدنية والأمنية والعسكرية والقانونية بحكم أنهم يمثلون بعضا من سلطات الرئيس نفسه، لذلك تمنيت لو أمر الوزير الولاة بعدم تزوير الانتخابات. ^^^ ما يدور في الجنوب أمر يقلق الناس، جميع الجزائريين لأن القوى التي فكرت طيلة سنة أو أزيد بالطريقة الأنجح لتفكيك المكعب في شمال إفريقيا تكون قد توصلت إلى العثور على منفذ قد تحاول التسلل منه، وهي عملية تشبه ما يقوم به عادة القراصنة، أقصد «الهاكرز» عندما يبدأ في محاولة قرصنة أي موقع إلكتروني فهو يجمع كل البيانات ويتفحص كل الثغرات ليحدد طريقة التسلل والنفاذ لعقل الموقع، هذا تحديدا ما يدور بجوارنا... من فوقنا ومن تحتنا ومن خلفنا ومن ورائنا ومن أمامنا، فنحن اليوم محاطون بحقول من الألغام والأفخاخ، والجزائريون الغاضبون من سعر البطاطا، غاضبون في الحقيقة من هذا الاستخفاف الظاهر من مخاطر أن تتحول كرة الثلج التي تتشكل يوما بعد يوم على شكل احتجاجات يومية هنا وهناك قبل أن تأتي على ما في طريقها.. وربي يستر.