لطالما نادينا، حتّى بحّت أصواتنا، وكلّت أقلامنا، من ترديد حقيقة، أنّ التعليم بدون تربية هو عمل بيداغوجي أبتر، وعززنا أقوالنا بأنّه لا يصلح آخر هذا الوطن، إلاّ بما صلح به أوّله... فقد تفطّن الماهرون من علمائنا بأنّ كلّ علم بلا تقى، أو كلّ دين بلا فهم لا يعدو أن يكون مجرّد تمائم، وطلاسم، وشعوذة. لذلك أنشأت جمعية العلماء بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله أوّل جمعية للتعليم أخرجت للناس أطلقت عليها جمعية التربية والتعليم، واعتنت في مدرستها بالبنت والولد معًا. إنّ العناية بالتربية، هي صمام الأمان في ما يقدّم للعقل من تعليم، وهي الإسمنت المسلّح، لتحصين ذات الطفل الإنسان، ضدّ داء فقد المناعة الأخلاقية، والوطنية، والعقدية. فعندما فقدت منظومتنا هذه الحصانة، أًُصِيبَت بكلّ أنواع الهشاشة فَنُكِب الجيل بكلّ أنواع الآفات والنّكبات، واليأس بالإقبال على الانتحار، واللامبالاة في ترويج المخدرات، والتّهاون في أداء الفرض، والتفريط في شرف العرض.وتعالوا بنا إلى استعراض آثار بتر التربية من المنظومة التربوية، ومعاناة الإعاقة الخلقية التي يعيشها جيلنا الصاعد ذكورًا وإناثًا. فهذا العنف اللّفظي والمادي والمعنوي الذي يطبع مظاهر السّلوك في جيلنا، وهذا الانحلال الخلقي الذي يطلّ ببشاعته علينا فيتحدانا في وضح النّهار، وزلفى من الليل، ويصدمنا في الأماكن العامّة، وفي الحدائق العمومية، إن هذا إلاّ نذير بتدهوّر أوضاع البناء الإنساني في وطننا، وهشاشة وهوان المواطن، في جزائر العزّة والكرامة، وفي بلد المليون شهيد. وهل أتتكم يا مواطني الأعزاء أخبار فضائح عنابة؛ حيث امتزج العلف بالشرف، وتواطأ المواطن الجزائري المزيف، مع الدخيل الفرنسي المنحرف، على تدنيس عرض القاصرات البريئات، وإخضاعهن لمختلف تجارب الممارسات، فيالله للشرف المداس!. هل هان الإنسان الجزائري على نفسه، وعلى الناس فأضحى مضغة سائغة تلاك بالفجور والخمور وعظائم الأمور؟. لمثل هذا يذوب القلب من كمد، عندما يفقد في معاناته كلّ عون وكلّ سند. فهل هناك أنكى على الجزائري من أن يستهين بأرضه وعرضه، وفرضه، شذاذ الآفاق، فيقدّم له العون، متواطئون ممن غضب عليهم الخلق والخلاق؟ ويستوي في التواطؤ عالم الدّين ورجل السياسة.فلو كان همًّا واحدًا لاتقيته ولكنّه همٌّ، وثان، وثالث ثمّ لماذا تستصغرنا هذه الكلاب الضّالة، فتحاول أن تشتري الشرف بالعلف، في ظلمات الدهاليز والغرف؟ فهذا السياسي المنحرف الذي بدأ تجربته بتونس، وجاء ليعممها على الجزائر بدءً من الحدود، إنّه وهو يلهث خلف نزواته، يذّكرنا بذئب بشري فرنسي آخر، هو مدير صندوق النقد الدولي صانع الفضيحة الخلقية في نيويورك، ضدّ المنظفة الإفريقية المسلمة بأحد فنادق المدينةالأمريكية. لماذا تحجم هذه الحيوانات البشرية الضّالة عن لحوم بني جنسها، المعروضة في كلّ شارع من شوارع فرنسا، وتقدم على الشرف المصون في بلدنا الشريف العفيف؟ وإذا جاز لهذه الحيوانات الضّالة أن تفكر في افتراس ضحايا مجتمعنا، فهل يحقّ للمزيفين من مواطنينا التواطؤ معها وتقديم السكين وكلّ الوسائل لذبح شرف الضحايا، على طاولة مشرحة الطبّ والدّين، والخلق والوطنية؟ إذا حدث كلّ ذلك، فقد حدث بسبب فقدان الوعي الوطني، والحسّ الدّيني، والوازع الخلقي، وإنّ هذه كلّها، إنْ هي إلاّ نتائجٌ لفقد التربية في منظومتنا التربوية، فدبّت الهشاشة إلى جسم كلّ فئة من فئات المجتمع، فأضحينا في مزاد الإباحية، ممثلين لأفلام الخلاعة، والمجون، والإباحية. عار والله أن يحدث هذا في بلد جاهد من أجل صيانة وعيه العلماء، واستشهد في سبيل كرامته وعزّته مليون من الشهداء.إنّ صحائف التاريخ قد فتحت، وإنّ سجلات العدالة قد أقتت، وإنّ عيون الشعب الجزائري كلّه، قد ولّت وجهها نحوها، لترى ما هي فاعلة، بهؤلاء المعتدين المتهورين. يجب أن يدرك الجميع أنّ «دم الأحرار تعرفه فرنسا» كما يقول الشاعر أحمد شوقي، وتعلم «أنّه نورٌ وحقّ»... فمن تخطاه، واعتدى عليه، فكأنّما تخطى «دم السبع». فماذا نحن فاعلون إزاء ذلك؟ إنّا منتظرون.