ألف وخمس مائة مليون مسلم.. يتناثرون على هوامش التاريخ كالذباب.. ولا يجرؤون على اقتحام الدنيا وافتكاك مواطئ قدم فيها.. من يكون هؤلاء الذين رسبوا في القاع كالطين.. وطفوا على السطح كالحطام؟! منذ مئات السنين وأصواتهم تخفت فلا تكاد تسمع.. وقلوبهم تتراخى فلا تكاد تنبض.. وعزائمهم مشلولة لا تكاد تقدر على مواجهة أحد.. وأبصارهم كليلة لاتكاد تبصر شيئا..! هذه الملايين المكدسة في جغرافيا غير محدودة.. أضحت مجرد أصفار لا قيمة لها.. لا توزن إلا ببراميل النفط.. ولا يُعثر لها على أثر إلا برائحة التطبيع وفضائح السياسة التي تفوح من كل مكان. ماذا لو عاد صلاح الدين الأيوبي.. فوجد القدس محشورة في غيتو يهودي.. ونهض الرشيد من قبره فاكتشف أن عاصمته مجرد مأوى للمارينز.. وعبر طارق بن زياد إلى الأندلس فرآها مجرد قصور أثرية تمتع السائحين..؟! لاشك أنهم سيعودون إلى قبورهم.. وهم ينكرون أن تكون هذه آثار عمائرهم.. وأن ما رأوه هو خلاصة فتوحاتهم وأمجادهم. ٌٌٌ إن للّة أمرا يكشف عنه هذا الزمان.. أعظم دين تتمسح بأعتابه أضعف أمة.. وأقدس كتاب سماوي تتناوله أشد الأهواء طيشا.. وأسوأ خلف يتطفل على أمجاد خير سلف.. ماذا بقي للإسلام أن يوقظ في هذا الجسد الميت..؟ منذ أربعة قرون.. والمسلمون يرتدون إلى الخلف.. أحرقوا كتبهم.. وكسروا سيوفهم.. وكفوا عن التطهر من رذائل التخلف. النساء يستصرخن المعتصم الذي ما عاد يسمع النداء.. والقدس تنادي بأعلى صوتها صلاح الدين الذي نقل قبره من دمشق ورحل باحثا عن مأوى جديد.. وأمة القرآن لا تقرأ كتابها بدعوى أنها أمة أمية! . عندما أستمع إلى حاكم عربي محسوب على خير أمة أخرجت للناس.. وهو يقرأ ورقة كتبت له.. فيعثر بين الحرف والحرف.. وتعلق الكلمات بلسانه لتموت هناك.. لا أجد أفضل من الهروب من هذا الزمان.. وإلا ماذا يعني أن يتحدث باسمي من لا اسم له!! القسوة تولد القسوة.. والألم يدعو إلى مزيد من الألم.. ويوميات المسلمين عنوان زاخر بالهوان.. ألا تكفي فلسطين المبعثرة على موائد الحكام لتفجر في الناس بركانا من الثورة.. والرفض؟ لعل جرح فلسطين المتدفق لا يقوي على سحبنا من بقعة الأوحال التي علقنا فيها.. فتدفقت الآلام من أجسادنا المتناثرة في العراق وأفغانستان والصومال والشيشان والبوسنة والسودان.. تروي ظمأ الغرب لدمائنا.. وتفجر نوافير الأحقاد الصليبية على رؤوسنا..!؟ اليوم.. ثمة جرح قديم.. عاد لينزف في صمت.. بعيدا عن أسماعنا.. ومشاعرنا.. وسياستنا. لعل قلة من الناس.. من يعرف شيئا عن ''الإيغور''.. عن هؤلاء المسلمين الذين نكبوا بالوحش الصيني.. وتعرضوا لأسوأ إبادة صامتة.. شملت دينهم.. ولغتهم.. وقوميتهم.. وأرضهم.. وغيبوا قسرا كما غيبت قوميات إسلامية كثيرة في القرن الماضي. قرأنا وشاهدنا كثيرا عن ممعتقلي ''غوانتانامو'' من الإيغور.. الذين باعهم سماسرة باكستانيون للأمريكان مقابل حفنة من الدولارات.. ثم تبين لاحقا ألا صلة لهم بالإرهاب العالمي - كما يسمى - .. كانوا شبابا هاربين من الاضطهاد الصيني.. أو مجرد باحثين عن لقمة عيش.. بعد أن استولت قومية ''الهان'' الصينية على موارد رزقهم. رأينا في التلفزيونات هؤلاء الشباب الممزقين بين خوف العودة إلى حيث ينتظرهم الجلاد الصيني بسوط التنكيل والإعدام.. أو القبول بالمنفى الإرادي في جزيرة ضائعة في المحيط الهادي.. فكانت الصورة تقطر ألما.. لم يبادر بلد مسلم لاحتضانهم ومواساتهم.. باستثناء ألبانيا التي استقبلت مجموعة منهم على ذمة وعود أمريكية لها. انتفاضة الإيغور الحالية ضد القهر الممارس عليهم من وحش الباندا الصيني.. لم تكن الأولى.. لقد سبقتها انتفاضات عديدة وُئدت بالنار والذبح.. فأين المسلمون؟ باستثناء تركيا التي رفضت جرائم الصين في تركستان الشرقية.. يشخر أغلب المسلمين في أسرتهم.. كأن الأمر لا يعنيهم.. وكأن حدود المسلم تنتهي عند قدميه.. فلا تتجاوز إلى أخيه المسلم.. الذي تدينه الحكومة الصينية بمجرد أن تعلم أن في بيته مصحفا!! الصين وحش بمليار فم ينفث النار.. والحكم الصيني الذي يبتلع القوميات الصغيرة حتى وإن عدت الواحدة منها بعشرات الملايين.. ليفرغها بعد مضغها في بطن قومية ''الهان'' المسيطرة.. صورة متخلفة لنظام شيوعي لا يزال يتشبث بالحياة على حساب الحقوق الطبيعية للإنسان.. ويتعاطى مع مخالفيه بالإبادة المباشرة. فإطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم في الشوارع.. أو إعدامهم بعد محاكمات صورية.. أو حشرهم في السجون ليذوبوا فيها ببطء.. سلوك يومي لهذا النظام الذي يتكلم لغة الموت.. ولا يحسن سواها.. فيجبر الأحياء على الصمت.. أو يرسلهم إلى ظلام القبور إن قرروا الكلام. ٌٌٌ أكرر السؤال: أين المسلمون؟ ويمكنني أن أجيب: هم ليسوا حيث يجب أن يكونوا.. ابتلعوا أصواتهم.. وسدوا آذانهم بالقطن الممزوج بالنفط والقومية والجغرافيا المنغلقة على نفسها. مسلمون كثيرون مضطهدون.. نسيهم المسلمون.. ربما أنكروا وجودهم أصلا.. وفي أحسن الأحوال نظروا إليهم خلف حجب السياسة القطرية والعشائرية.. وبكثير من اللامبالاة. نسوهم أو تناسوهم.. تماما كما نسوا الأندلس من قبل.. وينسون اليوم تسعين في المائة من فلسطين.. بما فيها القدس والأقصى. علاقة غير صحية تربط المسلمين بأمتهم.. أعني دينهم وتاريخهم.. مبتورة وغير متواصلة.. كأن أحدهم يسكن الأرض.. والآخر قادم من الفضاء. الذاكرة الميتة تمسح كل شيء من وجودها.. لتبقى صورة لما قبل الذاكرة.. أليس هذا ما تريده الصين.. وهي تنفرد بمسلمي تركستان.. كما انفردت روسيا بالشيشان.. وإسرائيل بأهل فلسطين؟