بمنطق «إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده»، فإن جزائر الخمسين سنة من الاستقلال ومن «الاستغلال» الفاحش لتاريخ الثورة وجغرافية «الثروة» حيث لكل وفي كل مسؤول دويلته التي يريد، تعيش في الضد منذ زمن ومنذ «شيء» بعيد، فالتراكمات لم تعد فعلا مجهول النسب و«المنسوب» ولكنها سياسة رسمية ممنهجة بلغت سقفها الأعلى من الابتذال والتسويف الذي تجاوزه ضده، ورغم ذلك ورغم الشيء وضده، ورغم «رغم» نفسها، إلا أن الشعب رد على من استثمر في رفع «منسوب» الغضب لدرجته القصوى بدفع الناس في اتجاه ضده، بأنه هاهنا قاعد.. وأنه كما لا يوجد شيء في الأفق غير النفق الذي تعلمون، فإنه لا يوجد بالضرورة ضده وهو ما يعني بعبارة بسيطة أن الرعية قال للرعاة ولأشباه ال«دعاة»: «دزو امعاهم.. ما رانش امقلقين..» لم يعد خافيا على أبسط وأخف الناس عقلا أن الجزائر التي لا تشبه تونس ولا تشابه مصر وليس لها علاقة بليبيا وسوريا، كما تدعى وتتداعى السلطة، قد استنفد حكامها وأزلامها كل ما لديهم وما ليس لديهم، فكل التجارب مرت ثم تكررت وتكورت من هنا، فمن السياسة إلى الرياضة فالثقافة وصولا إلى التاريخ وأزماته الاجتماعية المتفرقعة، فإن اللسان كما السنان واحد، سلطة فاقدة لأي معنى و«متسلط» عليهم، فاقدون لأي أهلية، عدا أن يكونوا طرفا في حالة «ظرف» عاجل وعاجن يتم فيه استدعاء الشارع للفصل فيما يجري وراء وباسم الشارع، ولأن الأحداث والوقائع أكبر من أن «يخصيها» ويحصيها خطاب حماسي من رئيس مكلوم يوجهه لتعيس مكلوم، فإن حالتنا بالتفصيل وبالواضح الممل، أن المواطن كما السلطة، استقالا من الحياة العامة، ولا شيء موجود إلا «ضده» الذي لم ينقلب على أحد، فكل واحد من طرفي الدولة، شعب وحكومة، في طريق، وإذا ما حدث وأن التقيا، فإن الحظ شاء على رأي «أطلال» وطن لم يغن لمصيره ولا لمستقبله أحد.. ما يقارب الشهرين، والسلطة التي رفعت راية الجهاد الانتخابي في وجه «ناتو» مزعوم تراوح مكانها بعد ملحمة هزمها لطاحونة القصف الخارجي، فالانتخابات التي قيل إنها كانت معركة وجود و«سجود»، انتهت إلى اللاشيء، وجماعة «زيد سربي يا مول الانتخابات» لم تستطع التوصل إلى حل لحكومة قال رئيسها و«أويحياها» أنه لن يستقيل، فكان له ما قال وما أراد، والسؤال بالإضافة إلى «السعال» والإسهال الرسمي المطروح، أن من بيده الملك أثبت للناتو، قبل الشعب أنه يستطيع أن يجند الأمة صفا واحدا للدفاع عما سمي عدوانا خارجيا على الأبواب، لكنه بعد «النصر» المزعوم، يقف عاجزا ومكتوف الأيدي، لتعيين عشرين وزيرا خلفا لعشرين زيرا سياسيا ظلوا هم الدولة وهم النظام وهم ولد عباس وبن بوزيد، فبربكم، كيف لأمة أعطت (؟؟) للخارج صفعة تاريخية عبر برلمان في الإعادة «بلخادم» وإفادة، أن تقف مشلولة أمام إحداث تغيير حكومي بسيط، يزيح القدماء ويأتي على سبيل «التكلاخ» بوجوه جديدة، لا يهم إن كانت من نفس النطفة بقدر ما يهم أن تكون ّ«معدلة» وفق ما تقتضيه أهازيج النصر المسوق والمزعوم.. حين نرى بن بوزيد لايزال يرافع لنجاحات «الكيتمان» ويعتبرها فتحا دراسيا أطاح بخصومه «الفرنكوفونيين» ممن أزعجهم إصلاح تربوي مأزوم وخارق بالمعنى «المخنوق»، وحين نرى ولد عباس لايزال في المكان نفسه يبحث عن «أديان» أو حمض نووي لإثبات شرعية أبوته لاستوزار أينما ذهب يترك فيه إصلاحا مجهول الحسب والنسب. وحين نرى بركات «السعيد» بصومه وبرمضانه المرتقب يعود من باب القفة ومن زاوية رمضان ليرافع لجفاف امتد من زمن الفلاحة إلى زمن التضامن بعد الصحة، متحديا بذلك كل إطار عن احترام أدنى لعقولنا و«قففنا» الرمضانية المخرومة، وحين نرى ونرى أن ذات السادة لايزالون في ذات «المرعى» يُنظّرون ويستشرفون لمرحلة «ما بعد الناتو» ومرحلة ما بعد الانتخابات وما بعد «نوفمبر» جديد، قيل إنه ولد من رحم العاشر من ماي، حين نرى كل ذلك نتذكر مقولة الرئيس المغتال محمد بوضياف يوم اعترف بالفم والبؤس المليان، بعجزه عن العثور على عدد محدود من الكفاءات ومن الرجال الصادقين الذي يمكنهم أن يحملوا الوطن فوق رؤوسهم وليس في بطونهم، فإذا بالتاريخ يعيد نفسه، وإذا انتخابات ما بعد الناتو وما بعد «أعدوا لهم ما استطعتم»، تثبت أن «النظام» عجز عن إيجاد ثلاثين وجها وزاريا جديدا يخلفون ما هو مجرود من إفلاس وفشل حكومي جسدته ملامح المنتهية صلاحية استعمالهم، لينتهي الأمر بالشعب إلى الوقوف وجها لوجه أمام فجيعة أن الجزائر العظيمة لم تحبل طيلة خمسين عاما من الاستقلال ومن الخطابات ومن «الحمل» الكاذب إلا بتلك الطفرات البشرية التي تسمى بن بوزيد وولد عباس وأويحيى وبركات وغيرهم من وجوه مباركة ظهرت قبل مبارك مصر، لكن مبارك رحل ومصر رحلت، أما «مباركينا» فإنهم على نفس النهج خالدون وباقون ومستوزرون.. أكبر إهانة يمكن أن يتلقاها شهداؤنا الأبرار في عيد نصرنا الذي سقي بمليون ونصف من دمائهم الزكية، أن تقف نفس الملامح ونفس التجاعيد على قبور الغابرين لتقرأ على أرواحهم الطاهرة فاتحة الكتاب، في تلاوة لخمسين عاما، لايزال نفس شخوصها الذين احتكروا المشعل، يحتكرون قراءة فاتحة الكتاب، فهل هناك إهانة لذكرى الاستقلال أكبر من صفعة أن بوزيد، ومثله عشرات من «الزائدين» والمتزودين بالسلطة، قد قرأوا الفاتحة لخمسين ولخمس وعشرين سنة من تكرار «ولا الضالين»، فرغم الشيب والعيب وما يخفي «الغيب» من تهاو لوطن الكرام، إلا أن نفس المفلسين مازالوا يرفعون أيديهم مرددين، اللهم ارحم الشهداء، ترى متى يفهمون أن الشهداء مرحومون بمرسوم سماوي أما من يحتاجون الرحمة فهم نحن، التي تعني ناس وحيوانات ودواجن هذه البلاد .. فمتى ترحموننا أنتم.. فإننا الأولى بالرحمة من جميع الآفلين وجميع المستغفلين بكم وفيكم..؟