وجّه المحامي مروان عزي، رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، من خلال حوار خص به جريدة ''البلاد''، نداء إلى الإرهابيين الذين مازالوا يزاولون النشاط المسلح، يدعوهم إلى تسليم أنفسهم إلى مصالح الأمن والكف عن العمل الإرهابي، مطمئنا إياهم أنه ''لا خوف عليهم من معاملة مصالح الأمن''، مشيرا إلى أنه ''ستُتخد في شأنهم إجراءات قانونية عادية ثم بإمكانهم الالتحاق بعائلاتهم في أقرب الآجال''. وبخصوص تعامل مصالح الأمن معهم، أكد عزي ''أنها تعمل، على غرار جميع إطارات الدولة المكلفة بالملف، وفق تعليمات صادرة عن مستويات عليا تشدد على ''ضرورة التعامل باحترافية مع المسلحين الذين يسلمون أنفسهم''. بداية، بصفتكم محامٍ وأحد المتابعين لملف المصالحة الوطنية، هل لك أن تطلعنا على جديد سير العملية سيما فيما يتعلق بجانب التعويضات المخصصة لضحايا المأساة الوطنية؟ قبل أن نتحدث عن هذه النقطة، لابد أن نذكّر بالنقاط أو الملفات التي تعرّض لها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث تضمن عدة فئات وأولها فئة عائلات المفقودين، ثم فئة عائلات الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم وفئة المسرحين من عملهم لاعتبارات متعلقة بتفاصيل المأساة الوطنية، هذه هي الفئات المعنية بإجراءات الميثاق. وإلى أي مدى وصلتم الآن في عملية التطبيق والتكفل بالمستفيدين من بنود الميثاق؟ بخصوص الإرهابيين الذين استفادوا من تدابير المصالحة الوطنية بمعنى انقضاء الدعوى القضائية ضدهم أو وقف الدعوى القضائية فيقدر عددهم ب 2226شخصا. أما عائلات الإرهابيين المقضي عليهم، لدينا في هذا الشأن قائمة رسمية تحصلنا عليها من مصالح الأمن والجهات القضائية تتضمن 17ألف إرهابي تم القضاء عليه إلى غاية سنة 2006أما بالنسبة للفئة الأولى من عائلات المفقودين لدينا قائمة وطنية رسمية تتضمن 6145عائلة وتم إلى اليوم تعويض 5600عائلة منها. وبقيت بعض العائلات البالغ عددها حوالي 500عائلة لم تُعوّض لأنها لم تحصل على محاضر معاينة الفقدان وأخرى رفضت تماما فكرة التعويض، وبالتالي وصلت نسبة تعويض هذه الفئة حوالي 90بالمائة. ما هي برأيكم دوافع رفض هذه العائلات قبول التعويضات؟ السبب الأول مصدره جمعيات ومنظمات حقوقية تُحرك قضية بعض عائلات المفقودين في الاتجاه المعاكس للتسوية النهائية للملفات وتقوم باستعمالها كسجل تجاري. هناك ملفات تم بيعها بالدولارات إلى منظمات تنشط في سويسرا للمتاجرة بورقة الضحايا. صدر مؤخرا مرسوم رئاسي يتعلق بتعويض حوالي 11 ألف عائلة من ضحايا الإرهاب، ما الجديد الذي أضافه هذا المرسوم لميثاق السلم والمصالحة الوطنية؟ من بين التدابير المعمول بها في إطار ميثاق السلم، مرسوم ''إعانة الدولة للأسر المحرومة التي ابتُليت بضلوع أحد أبنائها في العمل الإرهابي، فشرعت اللجان الولائية المكلفة بالتعويض في تطبيق المرسوم، إلا أنها فهمت أنه يمس فقط العائلات التي يقل دخلها عن الأجر القاعدي المقدر ب 12ألف دينار، ما نتج عنه تعويض 7000عائلة فقط. وعليه قمنا بمراسلة رئيس الجمهورية بهذا الخصوص، وطلب من الوزير الأول تفعيل اللجنة الوطنية لتعويض جلّ العائلات، ما أسفر عن تعويض 11 ألف عائلة، منذ شهر جانفي، بعد إلغاء شرط الدخل بأقل أو أكثر من الأجر القاعدي. أما ملف العمال المسرحين من مناصب عملهم للاشتباه في ضلوعهم في العمل المسلح، فقد أُغلق نهائيا سنة 2007وتجدر الإشارة أيضا إلى أن عملية تعويض ضحايا الإرهاب جرت وفق قوانين خاصة ومراسيم مختلفة. صرّحتم في عدة مناسبات أن هناك 40طفلا ولدوا في الجبال تمت تسوية وضعياتهم المدنية، أين وصلت هذه العملية خاصة وأن العدد الحقيقي لهذه الفئة يقوق بكثير ما تمت تسو يته؟ لا تزال الأبحاث جارية حول هذا الملف، وقد تمكنا من تسوية وضعية 40طفلا إداريا، وذلك بحضور الزوج والزوجة. كيف يستفيد الإرهابيون من تدابير المصالحة الوطنية؟ الإرهابيون الذين يُطلقون العمل المسلح يستفيدون من وقف المتابعات القضائية ضدّهم وإلغاء قائمة المبحوث عنهم، ويُعامل على أنه مواطن عادي. قيل أن مفهوم العفو الشامل يعني دراسة وتسوية جميع الملفات المتراكمة عن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية و''الحالات المستعصية''، كيف تنظرون إلى هذا الإجراء بصفتكم أحد المكلفين بالجانب القضائي؟ تنص المادة 47من قانون المصالحة الوطنية على منح كامل الصلاحيات لرئيس الجمهورية باتخاذ أي تدابير لصالح المصالحة الوطنية وتعزيزها، ونحن لا نملك أي معطيات حول العفو الشامل، سواء كان في إطار المادة 47السابقة الذكر أو أنه سيشمل المسلحين شرط إلقاء آخر عنصر من الجماعات المسلحة للسلاح، وبالتالي لا يهم نوع الإجراء. لكن أرى أنه حان الوقت لوضع تدابير جديدة لتعزيز مسعى المصالحة الوطنية من أجل وضع حدّ لمزاعم جميع المشكّكين في نجاح هذا المسعى سيما الذين يعتقدون أن العملية لا تعدو أن تكون سوى تعويضا ماديا فقط لضحايا المأساة الوطنية، متحجّجين بكونه همّش الكثير من الفئات المتضررة من الأزمة الوطنية، في حين أن مغزى المصالحة أسمى من ذلك، حيث يسعى للمّ شمل الجزائريين وإطفاء نار الفتنة بينهم وتضميد الجراح بطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، المراد منها تحويل هذا المسعى إلى ثقافة سلم وطنية. أما عن الملفات والفئات التي لم يُدرجها ميثاق السلم، فكنا قد أعددنا تقريرا راسلنا رئيس الجمهورية بشأنه، تضمّن إبراز الفئات التي لم يتطرق إليها المسعى، منها فئة معتقلي الصحراء، الأشخاص الذين تم اعتقالهم وسجنهم من 5 إلى 6 سنوات بتهمة الضلوع في العمل الإرهابي ثم إطلاق سراحهم بعد ثبوت براءتهم. طالبنا أيضا بضرورة تعويضهم. هناك الأشخاص المتضررون اقتصاديا بسبب العمليات الإرهابية التخريبية وهو ملف لا يزال مغلقا، إلى جانب ملف الحرس البلدي، مقاومي الدفاع الذاتيئ وجنود الاحتياط وغيرهم. وبفضل إرادة الدولة وعزمها على معالجة ملف الأزمة الوطنية، هناك الكثير من الملفات التي تمت تسويتها على غرار ملف الحرس البلدي الذين سيتم تحويلهم إلى شرطة بلدية وكذا ملف المقاومين. كما فتحت وزارة الدفاع ملف جنود الاحتياط المعطوبين خلال تأدية الخدمة والالتزام بتسوية وضعية هذه الفئة. كيف تُقيّمون مسعى المصالحة الوطنية منذ بداية تطبيقه إلى حدّ الآن؟ الدولة الجزائرية فتحت أبوابها أمام المصالحة الوطنية التي كانت آلية من آليات حلّ الأزمة الوطنية. استطعنا بموجبه كسر كل الطابوهات، وكثيرا من المغرر بهم طلقوا العمل المسلح وعادوا إلى عائلاتهم. وساعدت الدولة على إدماجهم في المجتمع. قد تكون هناك إجراءات جديدة لتعزيز هذا المسعى حتى لا نورث صراعاتنا إلى الأجيال القادمة والدولة لا تزال تبذل كامل جهودها وتقوم بواجبها لحلّ الأزمة نهائيا. بالنسبة للإرهابيين الذين يخشون تسليم أنفسهم لمصالح الأمن والاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية، فأدعوهم من خلال جريدة ''البلاد'' بصفتي رجل قانون، إلى تسليم أنفسهم لدى مصالح الأمن، وأُطمئنهم بأن لا خوف عليهم من طرف مصالح الأمن، ستُتبع في حقهم إجراءات قانونية جدّ عادية، ويعود إلى منزله. ويجدر بي أن أشير إلى أن الكثير ممن طلّقوا العمل المسلح وسلموا أنفسهم لمصالح الأمن تفاجأوا حينها بمعاملة مصالح الأمن لهم. وأؤكد أن هناك تعليمات صادرة من أعلى مستوى لجميع قوات الأمن الوطني عن طريقة معاملة أي إرهابي يُسلم نفسه، فالبنسبة لنا كل إرهابي يسلم نفسه يعتبر مكسبا جديدا لمسعى المصالحة الوطنية. بفضل إرادة الدولة وعزمها على معالجة ملف الأزمة الوطنية، هناك الكثير من الملفات التي تمت تسويتها على غرار ملف الحرس البلدي الذين سيتم تحويلهم إلى شرطة بلدية وكذا ملف المقاومين. كما فتحت وزارة الدفاع ملف جنود الاحتياط المعطوبين خلال تأدية الخدمة والالتزام بتسوية وضعية هذه الفئة.