رغم أننا تطرّقنا في كثير من الأحيان لمعاناة العديد من سكان القرى والمداشر المنتشرة عبر تراب ولاية المدية عبر صفحات الجزائرالجديدة طيلة ثلاثة سنوات وأكثر، إلا أن ما شاهدناه عند زيارتنا لقرية سكلاوة والواقعة في قلب جبال تابلاط الشامخة، شرق ولاية المدية، على الحدود بين بلديات تابلاط، العيساوية وفج الحوضين، وما سمعناه من سكانها، زاد من دهشتنا وحسرتنا في نفس الوقت. حيث أكدوا أن هذه الدشرة المترامية الأطراف، لم تنل منذ الاستقلال لا العيش الكريم ولا التنمية المرجوة، ومازال السكان القلائل الباقون يكافحون الفقر المدقع والتهميش القاتل، فحياتهم مازلت بدائية لأبعد الحدود، فلا طرق ولا قاعة علاج ولا وسائل نقل، وهم يعتمدون على بهائمهم في التنقل والفلاحة وبناياتهم تعود للعهد الاستعماري، ومع هذا فحب البقاء في حضن هذه الأرض التي ولدوا فيها جعلهم لا يهجرونها رغم ما عاشوه خلال العشرية الحمراء، أين عان سكان المنطقة بسبب موقعها الجغرافي الذي تحوّل من نعمة إلى نقمة، بعد أن جعلها الإرهابيون مرتعا لهم، وقاموا بترهيب سكانها الذين هجر ثلاث أرباعهم نحو مناطق أكثر أمنا تاركين خلفهم بيوتا، وأرضا فلاحية خصبة وعتاد وأموال، ليكون البحث عن الأمن والأمان مهما بلغت الأثمان . رغم أن هذا الموقع أهّلها لتكون حصنا منيعا إبان الثورة التحريرية، أين دارت بهذه المنطقة العديد من المعارك كانت فيها الغلبة للمجاهدين الذين وجدوا الملاذ الآمن من قبل السكان، حسب شهادة العديد من القاطنين بهذه القرية، ولكن مع هذا الإرث التاريخي إلا أن وضعية السكان لم تعرف تغييرا كبيرا بعد الاستقلال في ظل غياب أدنى التفاتة من قبل السلطات المحلية، رغم توالي العديد من رؤساء المندوبيات والبلديات على تسيير بلدية تابلاط. وفي الجولة التي قادتنا إلى هذه القرية، لم نجد إلا القليل من شباب سكلاوة سألنا الشاب (عيسى. م) عن شباب المنطقة فأجابنا بأن جل الشباب الذين يصلون سن العمل الذي حدده بحوالي 14 سنة ويكونون قد أتموا دراستهم يتجهون صوب الحقول والبساتين المنتشرة عبر مناطق المتيجة كبوقرة ومفتاح والأربعاء وغيرها، ليعملوا هناك في جني البرتقال ومختلف الخضر والفواكه الأخرى بينما يتوجه بقية الشباب حسب محدثنا إلى ورشات البناء في العاصمة والولايات المجاورة للعمل من أجل كسب قوتهم بالحلال أما القلة القليلة من الذين واصلوا دراستهم بالمعاهد والجامعات فأجابنا أحد السكان بأن المكان الوحيد الذي وجدوه للعمل في إطار الشبكة الاجتماعية، حيث يتقاضون ثلاثة آلاف دينار شهريا وهي منحة لا تكفي لإعالة عائلة من عشرة أفراد مع والد قعيد وأم كبيرة في السن. من جهتهم، طالب سكان سكلاوة بقاعة للعلاج باعتبار أن أقرب قاعة علاج تبعد عن الدوار بأكثر من 5 كلم وهي تفتقر إلى الوسائل المطلوبة في الحالات الاستعجالية، أما فيما يخص الحوامل من نساء الدوار فإنهم يتوجهون إلى مستشفى بلدية تابلاط الذي يبعد عن المنطقة ب 35 كلم، مطالبين في ختام حديثهم بضرورة توفير هذا المرفق الصحي بالإضافة إلى تدعيم قاعة العلاج التابعة لبلدية الحوضين بجناح للتوليد من أجل تخفيف العبء عن النساء والأطفال. من جهتهم ناشد سكان الدوار السلطات المحلية ضرورة إيصال الكهرباء إلى بعض الجهات من القرية التي لم تنعم بنور المصابيح بعد حيث يضطر هؤلاء السكان الذين لا يتوفرون على الكهرباء إلى توصيل بيوتهم بالكهرباء مباشرة من الأعمدة أو عبر بيوت الأقارب وهي طرق عشوائية يمكن في أي لحظة أن تشكل خطرا كبيرا على سلامتهم وسلامة أطفالهم· ودّعنا القرية ونظرة التحدي والأمل في مستقبل أفضل التي تغمر محيا كل من التقينا بهم بقرية سكلاوة، لم تذهب من مخيلتنا، فهم بحق أناس ما زلوا بطيبتهم وأنفتهم يقهرون كل دروب المعاناة. مبارك. د