دعا التقرير السنوي 2011 لحالة حقوق الإنسان في الجزائر الصادر عن اللجنة الوطنية الإستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، والتي يترأسها الحقوقي فاروق قسنطيني، إلى "محاربة فعالة ضد الفساد" الذي "يقوض النسيج الإجتماعي لبلدنا" و"أضر بخطوات التنمية الإقتصادية والإجتماعية" داعيا في هذا الإطار إلى أن تكون العقوبات "مثالية ورادعة". وفي هذا الصدد أشار التقرير إلى أن "الفساد يقوض النسيج الإجتماعي لبلدنا" مضيفا انه "انتشر في جميع أنحاء البلاد وأثر على جميع الطبقات الإجتماعية". وأبرز في هذا الصدد أن "الوقت قد حان لمحاربة فعالة ودون كلل أوملل لجميع الاعوان العموميين الذين يسعون فقط لإثراء أنفسهم وجمع المزيد من المال". وأضاف التقرير أن "الإفلات من العقاب" و"انتشار الفساد على نطاق واسع" في بلدنا "يضر بأية خطوات لتعزيز التنمية الإقتصادية والإجتماعية مالم تسعى السلطات العمومية إلى عملية تنقية للأجواء لا تكون مرحلية فقط تستهدف أشخاص ثانويين بل يجب أن تستهدف السلطات العمومية نفسها". وفي هذا الإطار دعا التقرير إلى أن تكون العقوبات "مثالية ورادعة" من أجل عدم السماح للشخص الفاسد ب"التمتع بعائدات الفساد بعد قضاء عقوبته" مشيرا إلى أن "الجريمة تزدهر إذا كانت العقوبة غير مناسبة حيث يحتذى بها في أوساط الموظفين العموميين". كما تدعواللجنة أيضا السلطات العمومية إلى "الترويج لممارسات فعالة لمنع الفساد وتعزيز مشاركة المجتمع المدني وتجسيد مبادئ دولة القانون". وفي نفس السياق يوصي التقرير بإعادة تقييم للقانون المؤرخ في 20 فيفري 2006 بشأن منع ومكافحة الفساد بصيغته المعدلة ويؤكد كذلك على التوصيات التي أصدرتها اللجنة خلال عام 2009 والتي من بينها "تمكين العدالة من أن تمارس صلاحياتها القانونية كاملة في ظل الهدوء خاصة فيما يتعلق بالتحقيق ودون تدخل السلطات ولا النيابة العامة ولا الشرطة القضائية". وأضاف أنه "يتعين أن يتم تحديد الوظائف العليا المخصصة لموظفي الدولة في مجالات الأمن والإقتصاد والإدارة بمدة زمنية معينة (عهدة) وذلك لتجنب امتلاك الوظائف من جانب الإطار الأمر الذي يؤدي إلى كل أنواع التجاوزات بما في ذلك الفساد ويعزز اعتقاد الفرد بأنه تجسيد للدولة". الجزائريون فقدوا الثقة في مسؤوليهم كما دعا التقرير مختلف الجهات الإجتماعية الفاعلة إلى "مضاعفة جهودها من أجل العمل لمنح حقوق الإنسان في الجزائر كامل فعاليتها". وأوضح التقرير أن اللجنة الوطنية بدعوتها لمختلف الجهات الفاعلة الإجتماعية بما في ذلك السلطات العمومية وفعاليات المجتمع المدني إلى مضاعفة جهودها "ليس فقط من أجل الإعتراف بحقوق الإنسان في ترابطها وعدم قابليتها للتجزئة ولكن من أجل العمل لمنحها كامل فعاليتها". كما أشار إلى أن اللجنة الوطنية ستواصل نشاطاتها المتعددة من أجل "تنفيذ المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون في البلاد". وقد تناول التقرير في جزئه الثاني الخاص بالتقييم والتوصيات مختلف الحركات الإجتماعية التي مرت بها البلاد سواء تعلق الأمر بارتفاع تكلفة المعيشة والمطالبة بزيادات الأجور والبطالة والسكن أوتدهور إطار حياة المواطن. وفي هذا الإطار يعتبر التقرير أن فحص وتحليل الأحداث التي تسببت في أعمال شغب في الجزائر خلال عام 2011 يظهر "مؤشرات عن مناخ التوتر في المجتمع ويغذي انعدام ثقة الجزائريين في بعض السلطات العمومية المحلية والوطنية". وأضاف التقرير أن سلوك بعض مسؤولي الإدارة وعدم وفائهم بالوعود "يصعد من مشاعر عدم الثقة والإحباط لدى مرتفقي الإدارة الذين يشعرون بالإزدراء. هذا الشعور يجد تعبيره في الكلمة الدارجة +الحقرة+". وفيما يخص الفئات الضعيفة على غرار الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة أشار التقرير إلى بعض الإختلالات القانونية" كعدم تطابق تعريف الإعاقة في القانون مع اتفاقية حقوق المعوقين وكذا التعريف المبهم للعنف والإعتداء الجنسي ضد الأطفال في قانون العقوبات الجزائري". أما بالنسبة للإستراتيجية المتعلقة بمناهضة العنف ضد المرأة التي اعتمدتها الحكومة فقد أوضح التقرير أنها "تشكومن عدم تخصيص ميزانية محددة ضرورية لتنفيذها إذ لا تزال غير قابلة للتجسيد". "كما أن مراكز الإستماع القائمة غير كافية على الإطلاق ونتيجة لذلك لا يمكن للعديد من النساء ضحايا العنف الإستفادة من دعمها النفسي لتجدن أنفسهن همشات ودون دعم" يضيف نفس المصدر. وحول مسألة الأشخاص المفقودين خلال العشرية السوداء أوصت اللجنة بقيام السلطات العمومية "بحوار في مناخ هادئ وسلمي مع هذه العائلات من أجل تقديم لكل عائلة الملف بأكمله المتعلق بالأبحاث التي قامت بها مختلف مصالح الأمن التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع حول إختفاء أقاربهم". كما تطرق التقرير إلى ظاهرة "الحراقة" (الهجرة غير الشرعية) مشيرا إلى أن اللجنة الوطنية لم تنفك تجذب انتباه السلطتين التنفيذية والتشريعية في هذه القضية الإنسانسة والإجتماعية والتي استجابت لها السلطات العمومية "بطريقة ردعية فكان الرد جنائيا". وفي هذا الصدد ذكر التقرير أن اللجنة الوطنية لا يسعها إلا أن تكرر وتطالب بقوة السلطات العمومية أن "تتخلى عن طريق العصا وتبحث بحكمة ووضوح وفق دراسة وفهم حقيقين لهذه المشكلة الإجتماعية" وتدعوإلى "إلغاء اللجوء إلى العدالة والعقوبات الجنائية". وبالنسبة لمسألة التوقيف للنظر أشار التقرير إلى أنها "لطالما حظيت بشجب اللجنة الوطنية في تقاريرها السنوية عن حالة حقوق الإنسان للأعوام 2008 و2009 و2010". وفي هذا الصدد تؤكد اللجنة الوطنية توصياتها السابقة وتطالب بإتخاذ قرارات ملموسة فيما تشدد على إحداها والمتعلقة ب"القيام بطريقة فعالة وفجائية بعمليات تفتيش على الأقل مرة كل شهر ليلا ونهارا في أماكن التوقيف للنظر من قبل رؤساء المجالس القضائية ورؤساء المحاكم والمدعين العامين". ويفضي هذا التفتيش حسب ذات المصدر إلى "إعداد تقرير في اليوم ذاته شامل ودقيق حول المعاينات المتوصل إليها والتدابير المتخذة بما في ذلك رفع دعاوى قضائية وفي حال وجود رؤساء الجهات القضائية أطلاع ممثلي الإدعاء العام حول المخالفات الملاحظة". وأضاف التقرير أن "هذه الرقابة الإلزامية يجب أن تشمل كل مباني التوقيف للنظر الموجودة في الهياكل المعنية للأجهزة الأمنية الثلاث" (المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الوطني والشرطة القضائية التابعة للمصالح العسكرية) و"ليس فقط تلك الموجودة في المدن أومقرات المجالس القضائية". الخطاب السياسي والنوايا الحسنة وحدها لا تكفي واعتبر التقرير أن الخطاب السياسي والنوايا الحسنة وحدها لا تكفي من "دون ترجمة حقيقية وفعالة لحقوق الإنسان في الممارسة وفي حياة الجزائريين والجزائريات اليومية". وأضاف التقرير الذي جاء في 166 صفحة واشتمل على ثلاثة أجزاء أن هناك "إرادة سياسية لترسيخ حقوق الإنسان" في الحياة اليومية للمواطنيين ولكن "للأسف لا تكفي وحدها في مواجهة الإدارة التي تسير وعلى مختلف المستويات من قبل أشخاص استفادوا من +المحاباة+ أوتم +فرضهم+ أومن +المتعاونين+ الذين يخدمون مصالحهم الخاصة وليست مصالح الشعب". وفي نفس السياق أكد التقرير أن هذه الإرادة السياسية "يجب أن تترجم إلى عمل سياسي منقذ متحرر من كل سيطرة لإتخاذ قرارات حقيقة من شأنها أن تدعم وتجسد في الواقع تطلعات الجزائريين والجزائريات لممارسة مواطنتهم وحقوقهم" بما في ذلك العدالة والتعليم والتكوين والمساواة والصحة والعمل والسكن والإعلام وأمن الأشخاص وممتلكاتهم. واعتبر نفس المصدر أن حالة حقوق الإنسان في الجزائر "ليست مشرقة" حيث أن الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية كانت "موضوع لمطالب سلمية في بعض الأحيان وفي حالات أخرى عنيفة". كما أوضح أن "السلطات العمومية فاقمت الوضع في العديد من المظاهرات السلمية" مشيرا إلى تلك التي قام بها الأطباء المقيمون وعمال المستشفيات الجامعية والحرس البلدي معتبرا أنه "لا يمكن تبرير استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين ولا يجب التسامح معه". وفي نفس السياق أكد التقرير أن "هذا الإهتمام الذي لم يسبق له مثيل بالمطالب يعكس وعيا حقيقيا للمواطنين الذين يتم تجاهل حقوقهم من قبل الإدارة" مضيفا ان "عدم الوفاء بالوعود من قبل ممثلي الدولة بالتكفل بالمشاكل المثارة تدعوا إلى الحيرة حول الحاكمية في الجزائر والعلاقة بين الإدارة ومرتفقيها". من جهة أخرى أكد التقرير أنه "يهدف لتوفير أداة عمل وإبلاغ الرأي العام الوطني والدولي عن حالة حقوق الإنسان في الجزائر" مضيفا أن اللجنة الوطنية تطمح على الصعيد الوطني من خلال أفكار هذا التقرير إلى "إلقاء الضوء على مبادرات السلطات العمومية وجميع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في إطار حماية وتعزيز حقوق الإنسان". الدعوة لتحرير الإدارة من قيود البيروقراطية ويدعوالتقرير إلى "تحرير الإدارة من قيود البيروقراطية" مشيرا إلى أن هذه الظاهرة كانت السبب في "العديد من الاحتجاجات" المسجلة خلال السنة الفارطة. وأوضح التقرير أن العام 2011 سجل "تضخما في المطالب الإجتماعية" وأمام "الطابع المتكرر للعديد من المشاكل مع تأخر الحلول وجد الشعب وسيلة لجلب انتباه السلطات المعنية ليس عن طريق الطلب الكلاسيكي ولكن عن طريق الإحتجاجات العنيفة في بعض الأحيان". وفي هذا الصدد دعت اللجنة الوطنية إلى "تحرير الإدارة من قيودها البيروقراطية" و"تشجيع روح المبادرة وتخليصها من طابعها الغامض" و"إعلام المواطن إعلاما حقيقيا بحقوقه والتزاماته المتعلقة بمعرفته بالتشريعات ذات التطبيق العام مثل التعليمات والمناشير والإشعارات وقرارات أخرى غير منشورة". ومن بين الإجراءات الضرورية "لإستعادة المصداقية للإدارة" ترى اللجنة أنه ينبغي "ضمان تنفيذ قرارات المحاكم. فلا يمكن لدولة القانون —كما قالت— أن تصان إلا من خلال الإمتثال للأمر المقضي به وذلك على جميع مستويات التسلسل الهرمي". واعتبرت من جهة اخرى أنه من "المهم إلغاء العقوبة الجزائية عن فعل التسيير وعند القيام بذلك تكون هناك مزيدا من الثقة للمسيرين ويغرس الشعور بالمسؤولية الأخلاقية بدلا من المسؤولية التأديبية أوالجنائية". كما أوصى التقرير ب"إتخاذ إجراءات صارمة تهدف إلى تبسيط وتخفيف الملفات والتسليم الفوري للوثائق الإدارية التي لا تخضع للتحقيق وتقليص المدة الزمنية للتسليم واحترامها بصرامة عندما يتعلق الأمر بالوثائق التي تتطلب التحقيق وهوالأمر الذي سيمكن من إزالة أوعلى الأقل الحد بشكل كبير من شكاوى المواطنين". من جهة أخرى دعا التقرير إلى إنشاء هياكل جديدة للبحث والتخصص في العلوم الإدارية التي تهدف إلى "فحص مستمر لقضايا اللامركزية وظاهرة البيروقراطية ووضع هياكل مهمتها الإصغاء باستمرار إلى وجهات النظر ووضع القواعد القانونية المستمدة من الإرادة الجماعية". محمد.ب