هناك سمات خاصة بالزواج التقليدي القبائلي سمات، تتجلى في خضوعه خضوعا عجيبا لعادات اجتماعية معينة تتضمن قيما خاصة يتمسك بها هذا المجتمع تمسكا شديدا لدرجة أنها تأصلت جذورها ورسخت في أذهان أصحابها، فأصبحت عندهم من المسلمات التي تميز ثقافتهم، وصارت من لب التراث الثقافي لديهم الذي يتوارثه الناس أبا عن جد. المجتمع القبائلي عبارة عن خلية متماسكة تجمع بينها عادات وتقاليد لا يمكن أن يوقفها أحد، على غرار تلك المتعلقة بالأعراس، هذه الأخيرة تمر بخطوات ليتم العرس إلى النهاية. "ثيكسيوين" أو الجبات القبائلية العنصر الموحد بين المحتفلات لم تختزل الأيام الثلاثة الخاصة بالعرس القبائلي في يوم واحد مثلما هو الحال في عدد من المدن الجزائرية فيتحول بذلك إلى لوحة تشكيلية متمازجة الألوان فوحدها "الجبة القبائلية" بفصالتها التقليدية التي لم تغرها صرعات الموضة تزينها ما لا يقل عن عشرة ألوان زاهية تعرف لدى الجزائريين بالألوان القبائلية التي يتم الحصول عليها من الطبيعة وعلى رأسها اللون الوردي "الحاد" والبرتقالي المائل للاصفرار والأخضر الفاتح البراق والأحمر القاتم وتزيد "الفوطة" من جمال الجبة القبائلية التي تحاط من فوق على مستوى الخصر، تلك الأشكال الهندسية الدائرية والمربعة والثلاثية التي تتفن النسوة رسمها باستعمال خيوط "الزقزاق" وهي خيوط مسننة الجانبين مصنوعة من القطن الخالص ألوانها لا متناهية تحول الجبة القبائلية إلى لوحة فنية تكاد تنطق حسنا وزهوا،وللمرأة القبائلية دور كبير في احياء المناسبات السارة "الأورار" ويتداول في المجتمع القبائلي ان المرأة تستهلك الغناء مثلما تستهلك الخبز فإن الغناء أو "أشنا" بالأمازيغية يحرم عليها في حضرة الرجل. وتقول "تسعديت" أن الجبة القبائلية هي اللباس الذي يميز المنطقة في الأيام العادية وكذلك في المناسبات، فلن تجد أبدا امرأة قبائلية ولو كانت تعيش في أوروبا بدون جبة قبائلية، حتى أن الكثير من الموديلات تنشأ من فترة إلى أخرى ففي كل سنة يستغرب القادمون من العاصمة أو المغتربون من ظهور موديلات أخرى أحلى وأجمل، وتؤكد تسعديت أنها تملك خزانة كاملة من الجبات القبائلية وفي كل مرة تخيط موديلا آخرا. العروس القبائلية بمهر لا يتجاوز 100 دينار ما تتطلبه إجراءات الزواج من نفقات الخطوبة والزواج في منطقة القبائل عملية سهلة لا تحتاج إلى تمحيص كبير أو تعقيد ولا تتضمن أية أساليب ملتوية أو غير مباشرة، فمجتمع القرية مجتمع محدود، يرجع في الغالب إلى أصل واحد بفضل صلة الدم أو صلة النسب والمصاهرة.والشاب القبائلي عندما يرغب في الزواج، فإنه لا يتجرأ على قول دلك علانية لوالديه وإنما يتوجه إلى شخص معين سواء كان قريبه أو صديقه ليكلم في ذلك والد الشاب، حينئذ تخرج أم الشاب للبحث عن المرأة المناسبة، فتجول أنحاء القرية والقرى المجاورة حيث لا يردعها عن ذلك أي رادع، وتواصل بحثها حتى تعثر على الفتاة التي ترى فيها كل المواصفات التي تبحث عنها، ثم ترجع لتخبر ابنها أنها وجدت الفتاة المناسبة له ثم يذهب بدوره لرؤيتها ومعاينة ذوق أمه. والفتاة القبائلية لا تشترط شيئا على العريس سوى قطعة نقدية تقدر قيمتها حاليا ب 100 دينار من أجل العمل بما جاء به رسول الله "والتمسوا ولو خاتما من حديد" بالإضافة إلى وجوب حضور أهله في العيدين الفطر والأضحى ليس من أجل المهيبة فهي غير موجودة في المجتمع القبائلي، بل من أجل التبرك بهاتين المناسبتين وكذا من أجل تقارب أكثر بين العائلتين، إلا أن الشاب القبائلي لا يمكنه أن يقدم فقط هذه القطعة النقدية بل يعمل على إهداء عروسه جبة قبائلية مصنوعة بجودة عالية وقبعة "القاشوش"بالإضافة إلى طقم من الفضة وكذلك أشياء أخرى بسيطة وضرورية لإقامة العرس. التحضيرات لحفل الزواج قبل أيام من موعد العرس، تجتمع النساء يوميا بمنزل العريس لتحضير كمية كبيرة من الكسكسى، ويتخلل هده العملية أجواء احتفالية بهيجة بقاء أشعار خاصة بالمناسبة وغناء و رقص، ونفس الأجواء تسود دار العروس التي تحاط بعناية خاصة وتقام طقوس عديدة من بينها إشعال الشموع ورمي الملح عند مرورها. وعشية ذهاب العروس إلى بيتها الجديد تقوم عائلتها بتحضير لها حمام تتكفل بهده العملية امرأة مسنة تدعى "القبلة" وهي العجوز التي تقوم بنفس المهمة لجميع بنات العائلة. في صبيحة يوم القران يموج بيت الخطيبة بالمدعووين من الجيران والأقارب، وتتطوع النساء والفتيات بالقيام بكل خدمة تحتاج إليها الخطيبة وأهلها من غسل أو طهي أو خبز أو إحضار الماء أو ترتيب المكان للحفل وإعداد صواني الحلوى، وتتفرغ أخريات لتزيين العروس زينة خاصة، وعند الغروب يضاء منزل العروس ومكان الحفل، ويغدو أهل العريس وأهل العروس رجالا ونساء وأطفالا. ويجلس الرجال في المكان المخصص لهم أما النساء فيدخلن المكان الذي به العروس وصديقاتها ويبدأن بالغناء المصحوب بالطبل أو الدربكة والتصفيق والزغاريد وتتردد عبارة:" يَا ثولاَوِين أبذومت ثِيغراثِين"، ثم يحدد العرس بيومين: يوم لوضع الحنة ويوم لتزف فيه العروس إلى بيت زوجها. وهنا تقول "الطاوس" أن التحضيرات للعرس القبائلي من أجمل الأيام التي مرت عليها لدى تحضيرها لزواج العديد من أقاربها، خاصة الفرحة والبهجة التي تطغى على بيت العروسين، وتضيف الطاوس أن الأجواء لا يمكن أن توصف في يوم أو يومين. عادات ليلة الحنة في بلاد القبائل تسمى المرحلة الأولى "أحباس الحنى" أو ما معناه حجز العريس والمحافظة عليه حتى لا تصله القوى الشريرة وفي هذه المرحلة يجهر المختص بالتحنية أنه وضع الحناء في مكان آمن وبعيد لا يراه الوحوش ولا تصله الأفاعي والشياطين ثم تأتي المرحلة الثانية اي مرحلة استرجاع الحناء ويقال انها وصلت الصحاري البعيدة وأعماق البحار واخيرا المرحلة الثالثة أين تتم تحنية العريس الذي ينهض بعدها ويكسر إناء الحناء برجله اليمنى أمام المدعوين ويدل هذا السلوك على معنيين الأول هو الانتماء إلى جماعة الرجال المحترمين ووضع المرأة تحت نفوذه وتصرفه والثاني حصوله على شيء جديد من حيث علاقته بمن ينتمي إليهم وتتغير مكانة العريس ابتداء من تلك الليلة. تهيئ العائلتان أنواعا وأشكالا من الحلويات و الكسكسى واللحم والمرق للمدعوين .بالنسبة لبيت العريس فهو مخير بين ذبح الثور وإن لم يستطع فخروفين أو خروفا واحدا و في هذا اليوم بالذات لا يطبخ اللحم في بيت العريس بل يكتفي بالاستقبال المدعوين بمأكولات، وبعد تناول العشاء يتوجه العريس إلى بيته الخاص ويلبس لباسا جديدا متمثلا في قميص، برنوس حذاء، وقبعة، ثم يتوجه إلى الجماعة التي يشكلها جميع أهله وأقاربه بساحة المنزل العائلي و يجلس العريس على حصير أعد خصيصا له و يؤتى بالحنة والمنديل توضع عليه القصعة التي تحضر فيها الحنة. ترافق هذه العملية بزغاريد النساء المتعالية والأشعار الخاصة بهده المناسبة مع ترديد مواويل خاصة "ثيبوغارين" ومدائح دينية. ثم توضع الحنة في يد العريس الذي يقوم بتكسير الصحن. يصاحب هدا الفعل مرة أخرى زغاريد النساء و طلقات البارود. يكلف الشخص الذي أوكلت له مهمة وضع الحنة على يد العريس بلف الصحن المكسور داخل منديل و يعطيه لأهل العريس للاحتفاظ به في مكان آمن خوفا في استعماله لأغراض مشبوهة. و بعدها يجمع المال من طرف كل المدعوين كل حسب استطاعته وذلك مساعدة منهم للعريس وهذا ما يسمى ب " ثاوسا". وتكتسي ليلة الحناء أهمية قصوى في العرس القبائلي من حيث دلالتها الاجتماعية بالنسبة للرجل وليس للمرأة، فهي عند الرجل القبائلي شرط استيفائه الرجولة وتحمل المسؤولية بل خطوة نحو الارتقاء الاجتماعي، ونظرا لأهمية ليلة الحناء فهي تتصدر اليوم الأول من الأيام الثلاثة الهامة التي يمتد اليها العرس ويسمى هذا اليوم "أعقن" أي الأمر الواضح والرسمي، وتبرز أهمية ليلة الحناء عند الرجل القبائلي في سائر الطقوس والمعتدات التي ترافق جلسة الحناء في العريس، ففي هذه الليلة يجتمع الأهل والأحباب عنده لتناول العشاء قبل تحنيته عندها يعمد الرجل الذي اوكل له شرف تحنية العريس لمكانته الاجتماعية في السلم العائلي أو البيئة المحيطة الى وضع أمام العريس كل ما يرمز إلى الصفاء والطهارة من ماء وحلي فضية وبيض بعدها يبدأ بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والتعوذ من الشيطان من خلال أبيات شعرية. وفي المساء تزف العروس إلى بيت زوجها، فتجلس في مكان خاص اعد سلفا لها، وبعدها يتوجه إليها العريس حيث يقدم لها مبلغا من النقود بمثابة " ثيزري" ويتم كل ذلك في جو من الغناء والابتهاج المقرون بالطبل البلدي "اضبالن" ويؤدي الشباب والرجال على السواء رقصات تقليدية خاصة، وهنا يتقدم المدعوون واحد تلو الآخر بتقديم ما يعرف بنقود الطبال "ارشق"، وقد جرت العادة في منطقة القبائل أن يلجأ أهل العروسين بعد إتمام العقد إلى أحد المشايخ ليعمل "تحويطة " أو ما يحجب عرسهم عن الحسد ولتبطيل أثر أي عمل مشبوه. لا غنى عن "إضبالن" في الأعراس القبائلية لا يخلو أي عرس قبائلي مهما كانت المكانة الاجتماعية لأهل العرس من "اضبالن" أو الطبابلة باللهجة العامية الجزائرية وهم فرقة الموسيقيين الذين يستعملون الطبل والمزمار والبندير "امنداير" أدوات موسيقية رئيسية ووحيدة في إحياء المناسبات السارة من زواج وختان، ويطلق على هؤلاء ايضاً اسم "افراحن" أي صانعو الفرح والبهجة وهم معروفون بتنقلاتهم الكثيرة من قرية إلى أخرى ومن بيت إلى آخر ويكثر الطلب عليهم من قبل العائلات التي تعيش في المهجر بالأخص في فرنسا والتي تعود إلى الوطن موسم الصيف عموما لزفاف ابنائها أو طهارتهم وهم يسترجعون مع فرقة الموسيقيين كل عبق الماضي، ورائحة البلاد والارتباط بالأرض، وكل شيء مسموح عندما تحضر فرقة "اضبالن" إذ حتى النساء القبائليات اللائي لا يبرحن البيت ولا يخرجن يسمح لهن بالوقوف أمام البيوت ليشاطرن الرجال فرحتهم ولا أحد يطلب من زوجته الدخول إلى البيت أو الاختباء وراء الباب وكثيرا ما تجد العجائز في غمرة الفرح بلباسهن التقليدي الأصيل يتغلغلن وسط الرجال ليرقصن هن بدورهن والفرحة تملأ وجوههن ولكن العجائز فقط، وبمجرد انصراف فرقة اضبالن لا يتأخر الرجال في أمر نسائهن بالدخول إلى البيوت وغلق الأبواب. وعادة ما تتكون فرقة"إضبالن" من ثلاثة إلى خمسة عازفين، العازف على "اتيلوث" الغيطة أو المزمار والعازف على "انضبل" الطبل والعازف على "امنداير" البندير، وكانت الغيط تستعمل خصيصا من قبل (اسكلاوين) وهم المنحدرون من السود الذين استقروا في بلاد القبائل وعرفوا بعدها بحرف محددة مثل الجزارة والحدادة والموسيقى، ومثلهن مثل الرجال تجد في المجتمع القبائلي فرق نسائية للموسيقى تدعى "ثضابلت" وجدن استجابة لقيمة "الحرمة" بين الرجال والنساء فلا يمكن للمرأة القبائلية ان تغني كما أسلفنا في حضرة الرجل ولا يجوز للرجل أن يخترق جلسات النساء فكانت الحاجة لفرق فنية نسائية تحيي حفلات العروس في بيتها وتملؤها فرحا عادات قبل دخول العروس بيتها وبالنسبة لعادات دخول العروس إلى البيت الزوجية تقول الحاجة "جيجيقة" بأنه ولابد أن تخطو أول خطوة بقدمها اليمنى وذلك للتفاؤل ولكي يكون دائما من أهل اليمين لكي يكون قدمها قدوم خير، وهناك من يعطي العروس وبخاصة حماتها في يدها اليمنى أي نوع من النبات مثل "النعناع " لأن في اعتقادهم أن النباتات رمز للخير، وفي اليد اليسرى تسلمها إناء فيه القمح الذي يرمز للخصب والذرية الصالحة، وأثناء الزفة ترش العروس بالملح لدرء العين والوقاية من الأضرار. وفي صباح اليوم التالي للزفاف وفيه يزور أهل العروس ابنتهم لتقديم الصباحية وهو فطور خاص يعد من اللحم و الفواكه والحلوى، كما يقدم لها "ثيزري" ويباركون لها صباحيتها، هذا من جهة العروس أما من جهة العريس فعلى أهله أن يهنؤوه ثم يأتي الأقارب والأصدقاء وتقدم لهم الحلوى، الكعك والفواكه. وتضيف الحاجة جيجيقة أن هذه العادات متوارثة منذ اجيال سابقة ولا يمكن لأحد أن يتجاهل هذه العادات والتقاليد مهما كان متعلما أو مغتربا عن المنطقة لأن هذه الأخيرة من الأشياء الضرورية التي هي مرتبطة بثقافتنا وهويتنا والتي لا يمكن أن نرضى لها بديلا، كما أنها تقاليد مرتبطة بالخير والفأل الحسن والحرمة التي تميز مجتمعنا. احتفال اليوم السابع عند القبائليين أما عن اليوم السابع فتروي عنه الحاجة "جيجيقة" أنه وبعد زفاف العروسين يحتفل بهذا اليوم كما يحتفل بالصباحية، حيث تظهر العروس في أحسن مظهر من حيث الزينة والملبس وتقوم باستقبال الضيوف الذين يأتون للاطمئنان عليها وعلى أحوالها مع زوجها عائلتها الجديدة، وفي هذا اليوم أيضا يتم تحزيم العروس بحزام صوفي من طرف طفل صغير يكون من عائلة العريس، بعد ذلك يرافق العروس موكب إلى منبع القرية لتأتي بالماء وفي طريق عودة الموكب يتغنى المرافقون وتطلق النساء الزغاريد وتردد أشعار خاصة بهده المناسبة. ويعد الأسبوع خاتمة لفترة تدليل العريس والعروس وإعفائهما من كثير من واجباتهما، وبداية من اليوم الموالي يبدأ الزوج حياتهما الجدية في القيام بمسؤوليتهما في خدمة الأسرة في كل ما تتطلبه الحياة العملية. قيمة الزواج والتقاليد القبائلية يكتسي الزواج التقليدي القبائلي قيمة اجتماعية بارزة، لأن مدلوله حقيقة ملموسة في الحياة اليومية، فهو إذن سلوك متكرر يكتسب، يتعلم، و يمارس اجتماعيا ترتضيه الجماعة بل تفرضه. كما أن الزواج التقليدي القبائلي عادة اجتماعية توضح أسلوبا أو سلوكا اجتماعيا من طرق الخطبة، عقد القران والزواج إلى غير دلك من السلوكيات التقليدية، فالزواج مظهر من مظاهر القيم التي تمثل القوى المحركة للمجتمع القبائلي الذي لا يزال مفتخرا بأمازيغيته وكذا بهويته الذي لم يستطع الزمان القضاء عليها. زينب بن سعيد