يعتبر المشعوذون من أكبر المفسدين في الأرض، حيث يستخدم هؤلاء طقوسا وطلاسم لاستحضار الجن ، من أجل جلب بعض المعلومات الخاصة بالزبون، حيث يقوم المشعوذ بإرسال الجن إلى السماء ، فيقوم هذا الأخير باستراق السمع ، حيث يسمع كلمة واحدة فقط ويكذب في باقي القول، لذلك فإن الناس تصدق ما يقوله المشعوذ. و تعتبر الشعوذة في الجزائر واقعا معيشا يتحاشى الناس الحديث عنه، رغم أن الكثير منهم يقصد هذه الأماكن، أناس من مختلف شرائح المجتمع، سيارات فاخرة لا تكاد تصل إلى تلك المناطق التي بها مشعوذون ودجالون حتى تفرغ على الآخر، طوابير في الانتظار، قاعات مخصصة للرجال والنساء ممتلئة عن آخرها . روبرتاج : سمية بوالباني يتوافد المئات من الناس يوميا على الدجالين والمشعوذين ويصدقون كل ما يقولونه ، و أغلبهم من الأثرياء الذين يملكون أموالا طائلة ، أو ضعاف نفوس يعجزون عن إيجاد حلول لمشاكلهم، فيرجعون كل شيء إلى السحر، ويقومون بالتردد دائما على هذه الأماكن علّهم يتخلصون مما ينغص عليهم حياتهم ويؤرق مضجعهم . مشعوذ بضواحي البليدة، و بالضبط ببلدية بوينان الواقعة شرق المدينة، هي عينة اخترنا الذهاب إليها للتعرّف على الظاهرة ، بمجرّد دخولنا إلى منزل المشعوذ، قابلتنا أناشيد دينية و رائحة البخور كانت تعطّر البيت ، يأتيه الناس من مختلف مناطق الوطن ، فهو ممّن ذاع صيته كثيرا، حتى صار الناس يأتونه في منتصف الليل من أجل الظفر بالمقاعد الأولى ، طوابير من الناس ينتظرون عند الباب للدخول ، و بينما كنّا في الانتظار في القاعة المخصصة للنساء سمعنا عن الأعمال التي يقوم بها هذا الدجّال على لسان بعض النساء اللواتي عمى الشيطان على قلوبهن وعقولهن، كقدرته على الاستشفاء من عين حاسد ، أو الرغبة في نيل رضا حبيب أو تطويع الزوج المتمرّد . كانت هناك امرأة متقدمة بالسن تقص حكايتها مع هذا المشعوذ ، قالت لا يوجد أحسن منه ، حيث أنّها جرّبت معظم الطرق حتى تزوّج ابنتاها ، ولما لجأت إليه و طلبت مساعدته في تزويج بناتها قال لها "كوني مهنية " فبناتك سوف يقضين شهر رمضان في بيوتهن " وكان الأمر كذلك . لتردفها سيدة أخرى تواجدت بعين المكان بالقول " نعم أنا ابني كان على علاقة مع بنت الجيران، لكن والد البنت رفض تزويجها له ، ولم زارت هذا الطالب طلب منها زجاجة عطر ، فقام بالقراءة عليها ، وطلب من ابنها أن يضعها بعد صلاة العصر مدة ثلاثة أيام ، فانقلب الأمر ، و أصبح أب الفتاة ، هو من يطلب من الشاب القرابة و تزويجه ابنته ، و قالت أخرى أن صديق ابنها الذي ينحدر من مدينة وهران، هو من دلّه عليه، حيث عندما زاره قام هذا المشعوذ بإخبار الرجل عن مواصفات الشابة التي سيتزوجها ، وعن مكان تواجدها وكذلك عملها ، وطبعا هذه الشابة من المرتادين عليه، فذهب الرجل وخطب تلك الفتاة ، واندهش لما وجد أوصاف تلك الفتاة كما أخبره العرّاف ، وهو لا يعلم أنها كانت تزوره هي كذلك ، و لكثير من الفتيات المترددات على هذه الأماكن ، هن فتيات فاتهن قطار الزواج ، في الثلاثين من العمر ، وأحيانا في الأربعين، حيث أنهن مستعدات لدفع أموال طائلة للظفر بعريس ، و لا يهمّها إن كان يعمل أم لا ، فالمهم عريس و كفى . و لعل أكثر ما أثار استغرابنا و زاد حيرتنا ، و صعب على عقولنا تقبّله ، وجود جامعيين وجامعيات عند المشعوذ ، يقصدونه علهم يظفرون بوظيفة، و حتى زوج أو زوجة التي يريدونها . تختلف الطرق التي يعتمد عليها المشعوذون للكشف عن المستور ومعرفة الغيب حسب زعمهم ، لكنها تتفق في أنها طرق شيطانية والعياذ بالله، هناك من يقوم بإشعال عدة مواقد لتحضير مختلف الوصفات السحرية حسب طلب الزبون، حيث تكاد تنعدم رؤية الأشخاص بعضهم لبعض بسبب الدخان الكثيف والمتصاعد من تلك المواقد، و هناك كذلك مشعوذون آخرون يكشفون السحر بواسطة “الورق"، أو قراءة الكف أو الفنجان، و في هذه الأماكن المشبوهة لا تغيب حيوانات محنطة، بخور بمختلف الألوان، قوارير تحمل زيوتا مختلفة، وسوائل لا يعلم ماهيتها سوى صاحبها، قطع من الرصاص، ورايات ملطخة بالدماء، لكن ذلك المشعوذ الذي قصدناه ، كان يسأل في البداية الزبون بعض الأسئلة ثم يسمع مراده ، ويقوم بفتح كتاب ويخبر الزبون بالحل المناسب، ولم يقتصر الأمر على تحرير الطلاسم للزبونات، بل كان من سموّه بالفقيه ، يسوّق قنينات صغيرة بمبلغ 5000 دج ، تحتوي سائلا غريبا يقوم برشه بنفسه على أجساد زبوناته من النساء لفك عقدتهن، على حدّ زعمه، بعد تجريدهن من ملابسهن، ثم يشرع في دهن أو رش الزيوت أو المياه “المباركة أو تجريد زبوناته سيما الشابات والجميلات من ملابسهن ، وكتابة طلاسم على ظهورهن، يقول أنها تشفي من السحر والعين والحسد . ثروات طائلة و فيلات فاخرة و سيارات فخمة ، تجنى وراء غباء و ضعف إيمان الناس ، و ما يلاحظ على ممتهني هذه المهنة ، ثراؤهم الفاحش الذي صنعوه من وراء استغباء الناس والتلاعب بعقولهم وكذا الافتراء عليهم، لكسب أموال هائلة وثروة طائلة من ورائهم . وفي طريق العودة كانت مظاهر الخوف و الصدمة بادية على وجوهنا . وعند ركوبنا الحافلة لاحظتها امرأة كانت تجلس أمامنا فقالت يابنتي "ربي معاك " ، ومن شدة الصدمة التي كانت بادية على وجهنا قمنا برواية الحكاية كاملة لها عن المشعوذ الذي قصدناه ، فإذا بالمرأة تتنهد و تقول "مابقوش لي يخافو ربي " وراحت تسرد علينا بعض القصص التي عاشتها ، فزادت موضوعنا توسعا في عالم الجن و الشعوذة . خالتي فطومة، 65 سنة ، جدة ل 14 حفيد ، قالت في أحد الأيام كانت تحضر جنازة أحد الأقارب، وكانت مراسيم الجنازة عادية جدا، غسل الميت و كفن و قاموا بإخراجه من المنزل، في طريقهم إلى المسجد وصل ابن المرحوم من "الغربة " فقال لأخيه الأكبر "لا تحرمني من رؤية أبي الذي لم تره عيني أكثر من 15 عشر سنة" ، فردوا الميت إلى المسكن و كشفوا عن وجهه ، وكانت الفاجعة ، فوجدوا شريط لاصق على فم الميت ، وعند نزعهم وجدوا صورة فتاة من نفس العائلة، وتحوّلت الجنازة إلى فوضى كبيرة ، و حضرت فيها الشرطة و اعتقل المشتبه فيه . وقالت هناك من يستعمل الماء و الصابون الذي يغسّل به الميت لتعطيل الزواج أو إيقافه ، وهناك من يدفن أشياء من حوائج الحي حتى يمرض ولا يكون له دواء، تتنوع الوسائل و تختلف الأسباب ، واكتشفنا أن عالم الجن يبقى واسع و متنوع و مختلف ، على حسب ضعف الإيمان أو انعدامه . و يبقى حكم الشعوذة التحريم في الكتاب والسنة ، فالله سبحانه وتعالى يقول: “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك". والرسول صلوات الله و سلامه عليه يقول: “من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". و عن عائشة رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه سلم- أنها سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسرق الشياطين السمع فتسمع فتوجهه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم" رواه البخاري