ينظم مختبر الترجمة وتكامل المعارف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة القاضي عياض – مراكش، بتنسيق مع مؤسسة دار الحديث الحسنية وكلية اللغة العربية بجامعة القرويين - مراكش، المؤتمر الدولي الرابع حول النص الديني والترجمة في موضوع: “ترجمة القَصَص القرآنيّ: الإشكالات الأسلوبيّة والبنيويّة والدلاليّة" 05/06 مارس 2014 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية وكلية اللغة العربية (مراكش – المغرب). ويعتبر موضوع القصة القرآنية من الموضوعات التي تناولها الباحثون المتخصصون في العلوم القرآنية، كما اهتمّ بها المستشرقون في سياق انشغالهم بمجال الدراسات القرآنية التي تشمل القرآن الكريم وعلومه، بالإضافة إلى الباحثين في حقل الأدب، والذين استخلصوا – من خلال دراسة مفهوم الأدبية في القصة القرآنية ووظيفتها، والمقومات التي تختصّ بها – نتائج هامة في ما يخص إعادة بناء مفهوم “السرد" و"السردية" بالمعنى الحديث. ورغم الجهود التي بذلت في دراستها، فإن العقبات لم تذلل واحدة واحدة، لتداخلها مع أنواع سردية عديدة في النثر العربي، ولم تدرس بشكل مفرد يسمح بالتعرف على منزلتها والنظام الذي يتحكم فيها. هذا الاهتمام بالقصص القرآني ينبع في تصورنا، من عدة عوامل يمكن أن نلخصها في الأمور التالية: أولا: أن القصة في القرآن الكريم باعتبارها إخبارا، تحتل مساحة نصية واسعة منه، شأنها شأن الأغراض الأخرى من أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وحجاج، ومثل... ثانيا: تتضمن القصة القرآنية أغراضا متعددة بعضها عام، وبعضها اختصت به؛ مثل الكشف عن الجذور التاريخية للرسالات الإلهية والتأكيد عليها. ثالثا: تتميز القصة القرآنية بجوانب فنية خاصة في بنائها الأسلوبي والبياني كالإشارة والقول والرواية... وهي حصيلة حضور مكثف ومنظم لآليات السرد، واستثمار نوعي للسياق المكاني والزماني يفوق قدرة البشر، والوعي بكل ذلك يستوجب أن يدمج ضمن التصور المتداول حول الفن والأدب. رابعا :للقصة القرآنية أبعاد تاريخية وأهداف تهذيبية ترتبط بموضوع أصل الإنسان، ووجوده على الأرض. فإذا كانت هذه السمات المائزة للقصص القرآني تجعل اهتمام اللغوي والأديب بها أمرا محتما، فماذا عن المترجم؟ وماذا عساه أن يقدم من نماذج نظرية وآليات تطبيقية لنقل القصة القرآنية إلى لغات أخرى؟ إن اهتمام المترجم بالقصص القرآني ينبع من نواحِ متعددة: أولا: إذا كانت هوية النصّ القرآنيّ وخصوصيته ترتبطان بخلفيّاتٍ ثقافيّة وتاريخيّة وعقائديّة معيّنة، فإن نقله من العربية إلى لغات أخرى يطرح صعوبات بالغة وتحديات جمة، تجعل الخوض في غماره محفوفا بالمخاطر؛ ذلك أنّ الحفاظ على مرجعيّات النصّ المترجَم وفهمَ السياقِ الذي يرتبط به، يحتلّ أولويّةً متقدّمةً في الفعل الترجمي، وبالتالي فمن غير الممكن ترجمةُ نصوصٍ دينية إسلاميّةٍ وتلقيها بعيداً عن الوعي الترجمي والإسلاميّ بها. كما أن ارتباط الترجمة بالتأويل يتطلب فهم وإدراك معاني النص المترجم، واستيعاب مضمون رسالته، وإخضاع معانيه لسياقات ومقتضيات لغة الهدف، الشيء الذي يولد الكثير من الأسئلة التي لا تقتصر على بسط المعنى، بل تتجاوز ذلك إلى التشويش على الترجمة بكثير من الالتباس وسوء الفهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالنص القرآني المعجز. ثانيا: يعكس القصص القرآني خصوصيات النص القرآني من إيجاز وقصر وتكرار وصور بلاغية؛ مما يشكل تحديا للمترجم. وإذا كان الفعل الترجمي فعلا معقدا فإنه يزداد تعقيدا في النص القرآني؛ وذلك لما يلحقه من ضياع مقاصده، وإتلاف معانيه، وإفساد نظمه. ثالثا: يشكل القصص القرآني نوعا أدبيا خاصا، ولئن كانت ترجمة أجناس أدبية بعينها كالقصة والرواية لا تطرح مشاكل عويصة؛ نظرا لتماثل أساليبها السردية لدى الأمم والثقافات، فإن القصة القرآنية تمتاز بخصائص ومقومات تجعل منها فنا مستقلا؛ مما يطرح تحديات أمام المترجم لأسباب متعدّدة، لعلّ من أبرزها البراعة في اختيار الصيغة الأنسب للموقف السردي المعبر عنه، وكذلك اختلاف الأنماط الثقافيّة، وتباين توقعات المتلقي في اللغة الهدف عن المتلقي الأصلي. رابعا: تتكرر في القصص القرآني أحداث وأسماء وردت في الكتب المقدسة؛ يجد فيها المؤمن يقينا لألوهية الرسالة الإلهية، ويجد فيها الضال مصدرا للشبهات. فكيف نترجم الأعلام في القرآن؟ هل يكون ذلك بالحفاظ على الصيغة العربية القرآنية للعلم، أم نقربه من القارئ الهدف ومن ثقافة الهدف؟ وهل يعد الاستئناس بالسياق أمرا محمودا، أم أن السياق في حد ذاته يفقد النص القرآني تعاليه عن الزمن والمكان؟ وعموما، فعند مقاربة النصّ القرآنيّ المعجز بلغته وبلاغته وبيانه، والحجة التي يقدمها لإثبات مصدريته الإلهية، يبقى النص القرآني مفتوحا على الزمن، ومتوجها إلى القارئ الهدف المتعدد في أعراقه وأجناسه وألوانه وثقافاته، وتظل عملية ترجمته رهينةً بمراعاة ما فيه من خصوصية بلاغية تتجاوز المستوى اللغويّ – صوتا وتركيباً ودلالة ومعجماً وأسلوبا- إلى المستويات الثقافيّة والتاريخيّة والدينيّة، كما تظل هذه العملية ناقصةدون مراعاة فرادة السرديّة القرآنيّة وجماليّاتها، وتشكلها وفق تصورات فنيّة مخصوصة تجعلها أنموذجا استثنائيا. تركّز محاور المؤتمر على عمليّة القصّ، أو العمليّة السرديّة التي احتلّت فيها القصةُ موقعَ “المركز" في السور القرآنية، وكانت آليّةَ خطابٍ ناجعة، تحتفي بها الثقافةُ الإسلاميّة على خلاف موقفها من الشعر. ونطرح في هذه المحاور أسئلةٌ متعددة مثل: كيف يُترجم القصّ الموزّع على غير سورة، وما هو الأساس الذي ينبغي اعتماده في الترجمة؟ كيف يَقرأه أبناءُ ثقافاتٍ غير إسلاميّة لا يعرفون اللغة والثقافة العربيّتين ؟ وما أهميّة الحِجاج في المشهد الحواريّ القرآنيّ؟ وما ملامح المبنى في السرديّة القصصيّة القرآنيّة؟ وما شكل بنيتها الزمانيّة والمكانيّة؟ وما هي ملامح الشخصيّات القرآنيّة وما أدوارها؟ هل نقتصر في ترجمة القصص القرآني على ظاهر النص، أم يتطلب الأمر بناء خيارات تأويلية أخرى للترجمة من بينها تضمين تفسيرات وتأويلات للنص الأصلي؟ وباختصار شديد كيف نترجم هذا النصّ الإلهيّ الدينيّ المقدّس المعجز ببلاغته وبيانه والمكتوب بالعربية؟ وكيف نوصله إلى المتلقي مع مراعاة أثر التعبير ودلالاته المحددة؟ وما هي الصعوبات التي تنجم عن ترجمته؟ وما هي الإيجابيّات والسلبيّات والمحاذير التي تكتنفه؟