أثار المقترح الأخير، الذي تبناه عدد من نواب الغرفة البرلمانية السفلى، بخصوص " تعديل القانون الأساسي للنائب"، سخط العديد من الجهات، السياسية والقانونية، في مقدمتهم حزب العمال، الذي كان سباقا إلى الجهر عن موقفه من هذا المقترح، وذهب إلى حد وصفه بالاقتراح "الاستفزازي"، على اعتبار أنه جاء عشية إعادة طرح السلطة لموضوع " تعديل الدستور"، بعد فترة من السكوت عن الموضوع في أعقاب الفشل الذريع الذي منيت به المشاورات السياسية التي قادها أحمد أويحي. جل المحللين الذين خاضوا في هذا المقترح، ربطوا التوقيت الزمني لطرحه من طرف أصحابه بنية " ابتزاز السلطة"، التي لم يعد أمامها من خيار لتمرير مشروع تعديل الدستور، سوى اللجوء إلى البرلمان، ومن ثمة، اختار أصحاب المقترح " التوقيت المناسب" لتمرير مشروعهم، في وقت، ما يزال الحديث عن مشروعية البرلمان من عدمها، مطروحا بحدة في أوساط النخبة السياسية، وحتى في أوساط الشارع الجزائري، الذي أبان عن تذمره من مستوى تعاطي البرلمان، خاصة الغرفة السفلى مع كثير من القضايا المطروحة على الساحة، سيما في الشأن السياسي، والاجتماعي. في هذا السياق، يرى العديد من المحللين والمتابعين للمشهد السياسي في الجزائر، أن ثمة فجوة عميقة بين واقع المواطن وانشغالات نوابه في المجلس الشعبي الوطني، من جهة، ومن جهة أخرى، بين هؤلاء النواب وحكومة سلال، التي يبدو أنها " انفردت بالوضع"، ولم تعد تنظر إلى مهمة النائب في البرلمان، إلا "ديكورا"، تلجأ إليه بحسب الحاجة ، وهو أمر يطرح أكثر من علامة استفهام وتعجب على وظيفة هذا " البرلمان" في مسألة الرقابة على أعمال الحكومة، كما يطرح الأسئلة نفسها، بخصوص دوره في عملية التشريع. وهنا يمكن فتح الباب لأسئلة أخرى في السياق، قد تصل إلى حد التساؤل عن الجدوى من وجود برلمان، يكلف خزينة الدولة أموالا باهضة " بخصوص موضوع الرواتب الشهرية ودون الحديث عن المزايا الأخرى، ، لكنه لا يقوم بالوظيفة التي أنشء من أجلها، أي أنه لا يشرع. ويستدل أصحاب هذا الطرح، بكون معظم - إن لم تكن كل القوانين- التي مرت على المجلس الشعبي الوطني للمصادقة عليها، إنما هي مشاريع قوانين بادر بها، إما رئيس الجمهورية، أو الحكومة !، وبطبيعة الحال، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل تتجاوز قوة رئيس الجمهورية، قوة مؤسسة البرلمان، فأصبح لا يعيرها اهتماما، بدليل أن هذه المؤسسة التي ترتبط أساسا بعملية التشريع، تحولت إلى مجرد " علبة رسائل"، أم أن الأمر يرتبط بتواطئ نواب البرلمان، الذين تخلوا عن وظيفتهم الأساسية لحساب مصالحهم الشخصية؟ في كل الأحوال، ومهما كان الجواب عن السؤال، يبدو أن وجود برلمان بهذه المواصفات، تخسر عليه الدولة أموالا لا حصر لها، منذ " انتخابه" بطريقة صورية، وصولا إلى تسييره خلال عهدة تمتد إلى خمس سنوات، مضيعة للوقت، وفساد للمال العام، الذي كان يمكن أن تستغله الحكومة في مشاريع تنموية بطريقة مباشرة، وتتفادى بذلك " لعبة" شراء السلم الاجتماعي التي تقوم بها، مضطرة، حفاظا على استقرار هش، استنادا على القاعدة القانونية " ما بني على باطل، فهو باطل". التحرير ////////////////// نواب يعترفون بعجز البرلمان، والسبب... " ضغط من الفوق" ! تكاد جميع الآراء التي جمعناها هنا، وهي تصريحات لنواب في المجلس الشعبي الوطني، تجمع على أن هذه الهيئة، مجرد " مؤسسة شكلية"، تؤدي " خدمات" معينة، بعيدا عن الوظيفة الأصلية التي أنشئت من أجلها، ويذهب برلمانيون ممن استجوبناهم في الموضوع، إلى التأكيد على أن الحكومة، " استغولت " بالفعل على المؤسسة التشريعية، التي تحولت وظيفتها إلى " علبة بريد" ليس أكثر. شارك في الملف سارة بن عيشة/ شهرزاد مزياني/ محمد بن حاحة يقول النائب عن " التجمع الجزائري" طاهر ميسوم، إن طبيعة الحكم في الجزائر "تقيد" الصلاحيات المخولة قانونا للبرلمان، وهي التشريع ومراقبة عمل الحكومة، ويضيف المتحدث " الحكومة دائما بالمرصاد للبرلمان، فهي تسعى جاهدة لتضييق حرياته، ولا يمكن لنا اقتراح أية مشاريع"، وبالمقابل - يضيف النائب- أن كفة "الأغلبية الساحقة" في البرلمان محسوبة على أحزاب الموالاة للسلطة وهي أحزاب لم تصوت أبدا لرفض أي مشروع، مهما كانت طبيعة المشاريع الموجهة للغرفة السفلى، بل العكس – يضيف ميسوم- رأينا في أغلب الأحيان هذه الأحزاب " تناور" لدعم سياسة الحكومة على حساب المواطن. ويخلص النائب طاهر ميسوم، إلى أن مهام النائب "لا تتخطى" التصويت على المشاريع، ولأجل ذلك – يضيف - خيارحل هذا البرلمان "أمر صائب"، لأنه أثبت عدم فعاليته على أرض الواقع، كما أن " انشغال المواطن" هو آخر اهتمام هؤلاء النواب. الحكومة " تشرع" والبرلمان " يصادق" ! من جهته، عضو لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات النائب حبيب زقات، قال ردا عن سؤال " الجزائر الجديدة"، إن "سياسة" النظام الحالي، هي التي جعلت من المجلس الشعبي الوطني مجرد "هيكل بلا روح"، وأوضح أن العديد من القوانين التي يقوم النواب باقتراحها، لا يسمح بتمريرها، ملفتا إلى أن الحكومة تستفرد بالتشريع، وما على النواب إلا التصويت، أوتعديل بعض المواد البسيطة. ووجه النائب زقات، انتقادات لاذعة ل "كتلة" الأغلبية، واتهمها بمساعدة النظام في فرض سيطرته على هذه المؤسسة، كما اتهم العديد من النواب بعدم القيام بعملهم من خلال تجاهل المواطن، وحتى بالنسبة لمراقبة عمل الحكومة، تساءل "من يراقب من"، قبل أن يجيب نفسه بالقول ليس لأحد الحق في مراقبة الحكومة"، ومادام عمل النواب يقتصر على التصويت، فما الداعي إذا للمطالبة برفع الأجور والحصول على امتيازات؟ وفي إجابته عن السؤال الذي طرحه بنفسه، قال النائب زقات، إن للنائب "حقا" في الحصول على جواز سفر ديبلوماسي لضمان المعاملة الحسنة في مختلف الدول، معتبرا المرور بنقاط التفتيش في المطارات الدولية على غرار جميع المواطنين إهانة لهم. " الله غالب".. الحكومة هي من يقرر ! من جهته، النائب محمد الداوي، قال ردا عن سؤال " الجزائر الجديدة"، إن المجلس الشعبي الوطني " لا يمكن" أن يشرع في ظل النظام الحالي، وذهب إلى أبعد من ذلك، عندما تحدث عن عدم تشكيل أية لجنة تحقيق خلال عهدتين عدا سنة 2011 عندما تشكلت اللجنة الطارئة للتحقيق في أزمة الزيت والسكر، رغم المشاكل الكثيرة التي تتخبط فيها البلاد، وبروز العديد من الملفات الثقيلة التي يعتبر فتحها من صميم عمل البرلمان، وقال إن المرة الوحيدة التي شكلت لجنة، أي عام 2011، سمح بذلك ل "عدم" تبني أي طرف لتلك الاحتجاجات، بمعنى أن اللجنة كانت تعرف مسبقا أنها لن تصل إلى أي نتيجة، وان عملها سيكون من قبيل " ذر الرماد على العيون" ! وأكد النائب الداوي في معرض حديثه، أن النواب اقترحوا عدة حلول تتعلق بأزمة غرداية، لكنها بقيت "حبيسة الأدراج"، وهو ما يعني أن القرار بالنهاية يعود إلى الحكومة، وأن مؤسسة البرلمان، هو جهة " تكميلية"، ليس أكثر. ////////////////// قمامة في "الاتجاه المعاكس".. نحن "عيون الدولة "على مشاكل المواطن يرى النائب في المجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير، محمود قمامة المنتخب عن ولاية تمنراست ، لأربع عهدات متتالية، أن التقليل من " الدور" الذي يقوم بها نواب المجلس، هو " تنكر" لهم وللوطن، ويرفض الرأي الذي ينتقد أداء نواب البرلمان لدورهم الذي انتخبوا من أجله، فهم – يقول قمامة – يسهرون على نقل مشاكل وانشغالات المواطن إلى قبة البرلمان ومناقشتها والسهر على إيجاد حلول " ، وكل ذلك – يقول قمامة – ينفي عن هذه المؤسسة صفة " "الديكور" التي ألحقوها بها ، ويبعد عنها صفة " التبعية" للحكومة، كما تريد أطراف كثيرة أن تلحق هذا الوصف بالمؤسسة. قمامة، أوضح أيضا في اتصاله بالجريدة، أن البرلمان هو " شخص مسؤول" قبل أن يكون برلمانيا، ويعرف جيدا أنه انتخب من أجل تأدية مهمة، تتمثل في إيصال انشغالات المواطن إلى " من يهمه الأمر"، وفي السياق، قال المتحدث، إن " إنجازات" كثيرة تحققت مؤخرا لسكان ولاية تمنراست التي أمثلها، بفضل " حرصي" على أمانة التمثيل، وخلص إلى أن الر أي القاضي بأن مؤسسة البرلمان مؤسسة غير مجدية، هو رأي يحسب على المعارضة، وغير صائب. ماذا ننتظر من مؤسسة " عديمة الشرعية"؟ ! قالت رئيسة حزب "العدل والبيان" السيدة نعيمة صالحي، إن البرلمان ولد ليكون "ديكورا" وسيبقى كذلك، مادام لا يؤدي دوره الحقيقي وليس له مصداقية ، وأفادت صالحي في تصريح ل "الجزائر الجديدة" أن الغرفة التشريعية السفلى "عديمة الشرعية" لأنها تمخضت عن انتخابات مزورة ومفبركة جرت وقائعها قبل سنتين ونصف ، وعليه – تضيف صالحي – كيف ننتظر من مؤسسة غير شرعية أن تقوم بعمل شرعي، يتمثل في وظيفة سامية ومقدسة، تسمى التشريع؟ وأضافت صالحي تقول ، إن المجلس الشعبي الوطني، يحتاج إلى "تقوية" و"تفعيل" دوره النيابي، متمثلا في التشريع ومراقبة عمل الحكومي، أما أن يبقى على ما هو عليه الآن، فهو ليس أكثر من ديكور. عبد العالي رزاقي.. العيب في الدستور وليس في النائب من جهته، المحلل السياسي، والأستاذ الإعلامي عبد العالي رزاقي، يتناول الموضوع بشيء من " العقلانية"، ويحاول أن يجد " تبريرا" ملائما لما يقال عن أفراد هذه المؤسسة المنتخبين. وإذ يعترف رزاقي ويقر بمحدودية صلاحيات البرلمان في صيغته الحالية، فهو ينفي – بطريقة غير مباشرة – أن تكون هذه المحدودية في المهام، تعود لضعف في شخصية النائب، أو حتى لإرادة بعض نواب البرلمان، إنما – يقول رزاقي – يعود ذلك لخلل في الدستور الذي يجعل عمل النائب في البرلمان محدودا، ويضيق عليه الخناق، بطريقة تجعل الملاحظ يعتقد بأنه بعيد عن وظيفة التشريع التي هي وظيفته الأصلية، والمهمة الرئيسة التي جاء من أجلها نوابه. البروفيسور اسماعيل معراف... ما بني على باطل فهو باطل يرى المحلل السياسي، والأستاذ الجامعي البروفيسور اسماعيل معراف، أن مؤسسة البرلمان فعلا " مغيبة" عن وظيفة التشريع التي وجدت من أجلها، وفي المقابل يرفض أن تكال التهم بطريقة مباشرة إلى شخص النائب، واعتباره " مسؤولا مباشرا" عن عدم تأديته للمهام المنتظرة منه، إنما، - يضيف معراف - أن هذا البرلمان الذي نتحدث عنه هو صنيعة عمل مغشوش، أي أنه جاء عن طري انتخابات يشهد العام والخاص أنها مزورة، لظروف قد يطول الحديث فيها هنا. ويضيف البروفيسور معراف، لو تمعنا النظر مليا في التركيبة الحالية للبرلمان، نجحد أنها " أي التركيبة " هي خلاصة ما يمكن أن نسميه ب " اللعبة السياسية" الحاصلة، وهنا فقط ندرك أن برلمانا بهذه المواصفات لا يمكن له أن يشرع، ولا يمكن أن ننتظر منه جديدا، سواء على مستوى اقتراح مشاريع قوانين، تتماشى وواقع البلاد والعباد، أو على مستوى الرقابة على أعمال الحكومة، وهي مهمة لا تقل شأنا عن المهمة الأولى. أكثر من ذلك، يذهب البروفيسور معراف إلى التأكيد على أن عدم شرعية هذا البرلمان الذي تمخض من رحم التزوير، دفعت بالنواب الذين يشكلونه إلى الاعتقاد بأنهم يقومون بمهمة وطنية.