يرى فاتح ربيعي الأمين العام السابق لحركة النهضة، وعضو مجلس الشورى حاليا، أن مبادرة التشاور التي أطلقتها حركة مجتمع السلم مؤخرا لا تعني تراجعا إزاء مطالب تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، ولكن المبادرة -وفق ما يقول المتحدث، وهو نائب في البرلمان أيضا- هي من باب الاتصالات، وقال إن السلطة تبحث عن "نسخة" لدستور توافقي للبقاء في الحكم.. أجرى الحوار: عزيز لطرش أطلقت حركة مجتمع السلم "حمس" مشاورات، تشمل في جانب منها السلطة، وأنتم جزء من تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، ألا ترون أن ذلك يعكس ربما فشلا أو تراجعا لدى التنسيقية؟ تنسيقية الانتقال الديمقراطي أو الحراك السياسي التي أحدثته هذه التنسيقية، يدل سواء بالنسبة للتنسيقية أو مبادرات اخرى مطروحة، بما فيها ندوة الإجماع الوطني، أن أي تحرك ينم عن أمرين اثنين: الأمر الأول هو حيوية الساحة السياسية لأن هذه الأخيرة من دون مبادرات ودون حراك لا معنى لها، على غرار ما يحدث مع الماء الراكد الذي ترمي فيه شيئا كي يتحرك. الأمر الثاني يوحي أن هناك مطالب واحتياجات للمجتمع السياسي يريد لها أن تتحقق، وهي كثيرة ومتعددة وعلى رأسها أن يتحقق الانتقال الديمقراطي في الجزائر، ولذلك نشأت هذه التكتلات، وطبعا تنسيقية الانتقال الديمقراطي هي امتداد لجهد مجموعة السيادة والذاكرة، ثم مجموعة العشرين، ثم موقف موحد لهذه الأحزاب من الانتخابات الرئاسية التي كانت انتخابات مغلقة بمجرد ترشح الرئيس الحالي لها. حركة "حمس" لم تطلق مبادرة والإخوة في "حمس" قالوا هي مشاورات واتصالات وعلاقات عامة، من حق أي حزب سياسي أن تكون له اتصالات سواء مع من هو في السلطة أو من هو في المعارضة، والأمر لا يعكس أي تراجع، وهذا ما وضحه الإخوة في حركة مجتمع السلم في إطار التنسيقية، والدليل أنهم يوم 14 فيفري الجاري كانوا في إطار التنسيقية.. والأصل في ذلك كان تنظيم ندوة، لكن الإدارة لا زالت تتحكم في العملية السياسية، وحرمت أحزابا سياسية من ندوة بنزل "السفير" يوم 14 فيفري الجاري، نظمها أقطاب التنسيقية، ووجهت الدعوة لكثير من التيارات، وخاصة هيئة التشاور والمتابعة، ولشخصيات مستقلة، وكان موضوع الندوة عن "شروط نزاهة الانتخابات" مستقبلا، ومع ذلك فإن الإدارة كان ردها أن العنوان غير واضح، وهو في نظري "عذر أقبح من ذنب"، ولذلك هناك جهود وهناك عمل.. لا نقول إن هذه التنسيقية هي كل شيء وحققت جميع أهدافها.. وأهم شيء حققته هو، في نظري، هو التقاء مجموعة من الأحزاب من مختلف التيارات، سواء اللائكي أو الوطني أو الإسلامي أو العلماني، والأمر الآخر هو وحدة التشخيص من حيث أنهم اتفقوا على تشخيص الوضع القائم، ثم قدمت كيفية الوصول إلى الانتقال الديمقراطي في الجزائر. بخصوص ندوة الإجماع الوطني، هناك دائما حديث عن شروط للمشاركة فيها من أحزاب الموالاة، ما هي خلفية هذه الشروط برأيكم؟ المتتبع للوضع السياسي يرى أنه بمجرد أن طرحت شروط للمشاركة في الندوة، بعد اجتماع فندق "مزافران" بزرالدة، لهيئة التنسيق وأحزاب المعارضة بمشاركة المعارضة و"الأفافاس".. بعدها مباشرة وبمجرد طرح "الأفافاس" مبادرة الإجماع الوطني تلقفتها أحزاب الموالاة ورحبت بها وأوحت للرأي العام أن هذه المبادرة هي المخرج الأساسي للجزائر، وبعد مدة ولما قربت ندوة "الأفافاس"، صارت هذه الأحزاب تطرح شروطا مما يؤكد أن أحزاب الموالاة، أو أحزاب السلطة، لم يكن في أجندتها تجاوب مع مبادرة "الأفافاس" أو مطالبه أو مطالب المعارضة بقدر ما كان الهدف هو تشتيت المعارضة ودفع "الأفافاس" إلى نقطة ينفصل فيها عن الأحزاب التي كان معها في ندوة "مزافران" والتي حضرها وشارك فيها، وقدم وجهة نظره، رغم أنه ليس جزءا من التنسيقية. ولكن الآن، في نظري، لابد أن يدرك "الأفافاس" وأحزاب التنسيقية، وهيئة التشاور، والمعارضة بصفة عامة، أن الطريق الوحيد هو أن تجتمع مرة أخرى هذه الأحزاب وبما فيها "الأفافاس" ويُنظر إلى ما عند "الأفافاس"، وإلى ما عند التنسيقية، ويتم جمع المشتركات بينهما، وأعتقد أنها كثيرة، ثم بعد ذلك التوجه نحو السلطة، لتؤكد المعارضة أنها موحدة، وثانيا أنها تملك رؤية، وأن المعارضة ليست كما تروج أحزاب الموالاة أنها ضد الحوار مع السلطة. كان هناك تصدع أيضا بين رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، وعبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، مباشرة بعد أن أطلقت "حمس" مبادرتها السياسية الأخيرة، ماذا كانت طبيعة هذا الخلاف؟ أطلقت "حمس" فكرة التشاور مع السلطة دون علم أعضاء التنسيقية وهذا الأمر أحدث شيئا من اللبس وربما كانت هناك قراءات لأن "حمس" تريد أن تكون لها مبادرة مستقلة وتخرج عن إطار التنسيقية.. وعن إطار تفجير هذه الأخيرة وكل هذا الكلام.. لكن الإخوان في "حمس" جلسوا مع التنسيقية ووضحوا الأمور، وعادت المياه إلى مجاريها داخل التنسيقية. أثير تلاسن بين قيادتي "حمس" وحركة العدالة والتنمية، ونعتقد أن الأمور سويت، والجميع يعمل الآن، ورأيناهم جميعا معا في إطار التنسيقية في آخر نشاط يوم 14 فيفري، وكان هناك بيان مشترك وعمل مشترك والآن.. التحضير لوقفات احتجاجية ليوم 24 فيفري. ما موقفكم في حركة النهضة من ندوة الإجماع الوطني والمشاركة فيها، مع التعليل من فضلكم؟ أولا نحن في حركة النهضة نحترم الأحزاب السياسية ونحترم المبادرات وخاصة حزب عريق مثل جبهة القوى الاشتراكية، لكن انخرطنا في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، ولا يمكن لحزب جاد ويحترم نفسه أن يكون له رجل هنا ورجل هناك. نحن موجودون في التنسيقية ونشتغل في إطار التنسيقية والمبادرات الأخرى خارج إطار التنسيقية.. لا تعنينا. تعددت المبادرات وهناك من يتهم السلطة بالتعنت وعدم الاستماع للمعارضة، لكن بالمقابل هناك من يتهم المعارضة بطرح مطالب مبالغ فيها، على غرار إجراء انتخابات رئاسية مسبقة رغم أن الدستور يعطي حق دعوة كهذه للرئيس فقط. كيف تنظرون إلى ذلك كله؟ أشرتم إلى موضوع محل جدل في الساحة السياسية ومع الأسف الشديد تكرسه ما أسميه أنا زوائد النظام أو زوائد السلطة أي أحزاب الموالاة التي ليس لها قرار. ونحن نعلم الجهة التي تمتلك القرار، فهي إذن مجرد زوائد لا سلطة لها ولا قرار، والآن تنتقد أعضاء التنسيقية وتقول إنهم لا يريدون الحوار وأنهم يبحثون عن تفجير الوضع، وما إلى ذلك من هذا الكلام الذي لا معنى به في حقيقة الأمر. قلت لكم أن هذه المبادرات شيء ممتاز وينم عن حراك، ولكن الغريب فيه أن الجهة الوحيدة التي تصر على أن الوضع موجود على التمام وأنه ليس هناك مشكل سياسي.. هي السلطة، لو يحدث في أي سلطة في العالم من المبادرات والحراك الموجود لتفاعلت معه هذه السلطة.. إلا السلطة في الجزائر. كان يفترض في هذه المبادرات التي طرحت أن تتلقفها السلطة وأن تأخذ منها ما ينفع الشعب الجزائري، أما الإصرار على هذه الوضعية وأنه لا يوجد مشكل سياسي مثلما قالوا لنا، وسبق لهم أن قالوا بعدم وجود مشكل اقتصادي قبيل انهيار سعر البترول، ولما انهار سعر البترول، في الأيام الأولى كانوا يقولون، وسمعنا هذا من رئيس الحكومة عندما قدم مخطط عمل الحكومة وتصريحات مسؤولين ووزراء، أن الجزائر في منأى والآن صار المشكل في الجزائر كبيرا على الصعيد الاقتصادي.. وهناك مشكل انهيار سعر الصرف وتراجع الدينار، فضلا عن تراجع احتياطات الجزائر من العملة الصعبة والتي، وفقا لتصريحات مدير البنك المركزي، يمكن استهلاكها خلال 37 شهرا فقط في حالة وجود ترشيد للنفقات، ومع الميزانية الضخمة، خاصة ميزانيتي التسيير والتجهيز، وفاتورة الاستيراد التي وصلت 60 مليار دولار أمريكي.. هذه كلها مجموعة عوامل تضاف الى اضطرابات اجتماعية ومطالب اجتماعية أيضا، وما يرافق ذلك من ضعف للقدرة الشرائية، ومع كل ذلك فإن السلطة تصم آذانها عن هذه الجوانب. ما تطرحه المعارضة ليس تعجيزا أو مستحيلا، المعارضة طرحت فكرة دستور توافقي والسلطة تحدثت عن ذلك أيضا، وقالت أنها تبحث عنه، لكن الآلية غير موجودة.. الآلية هي الجلوس إلى طاولة الحوار والوصول إلى دستور توافقي من خلال حوار ونقاش.. السلطة تفهم الدستور التوافقي من باب فرض نسخة للبقاء في الحكم، من هو في الحكم. والأمر الثاني الذي تريده المعارضة هو إعادة النظر في قوانين الإصلاحات ونحن في أمس الحاجة الآن إلى إصلاح الإصلاحات، خاصة قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام، وما يتعلق بإعادة بناء مؤسسات الدولة، لأن هذه المؤسسات هشة ومطعون في شرعيتها، وبعدها تكون انتخابات برلمانية ومحلية وأيضا انتخابات رئاسية. سُجل تراجع للإسلاميين في مختلف الاستحقاقات في العالم العربي، وحتى في الجزائر من خلال نتائج التشريعيات والمحليات الماضية، ما هي رؤيتكم لهذا الموضوع؟ لا.. لقد فاز الإسلاميون في الوطن العربي، فازوا في مصر وألغيت الانتخابات، وفازوا في ليبيا، كما فازوا في تونس، لكنهم أرغموا على الخروج من السلطة، وأنتم تذكرون أنه في تونس عندما فازت النهضة وشكلت الحكومة.. أجبروا رئيس الحكومة على الاستقالة، وحتى الوظائف التي استلمتها حركة النهضة استقالت منها فيما بعد، وحركة النهضة في تونس كانت ضمن موازنة صعبة، إما التشبث بالحكم وإما الانقلاب، ولذلك اختارت التنازل عن الحكم مقابل الذهاب التدريجي نحو الانتقال الديمقراطي. .. تقصدون "انقلابا" على نحو ما حدث في مصر؟ نعم وهذا كان مخططا ومهيأ له، ولا نقول أن ذلك كان سيكون من خلال تدخل الجيش، ولكن الدولة العميقة في البلدان العربية بإعلامها وقضائها وجيشها وأمنها، ما زالت تشتغل وغير مقتنعة بالتغيير. في الجزائر فزنا بعدة استحقاقات انتخابية ولكن مرات ألغيت النتائج في استحقاقات انتخابية كما هو معروف بداية التسعينات، ثم زوت الانتخابات الرئاسية في 1995 فضلا عن حدوث تزوير في 1997 وأتوا لنا بحزب ولد بشنباته، ثم توالى التزوير في الانتخابات بما فيها التشريعيات الأخيرة. الجهة التي كانت مكلفة من طرف السلطة بمراقبة الانتخابات، وهي اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، في تقرير أصدرته في 2007، وتقريرها في 2012.. نص بصراحة على أن الانتخابات مزورة وأكثر من أربعين حزبا نصوا على أن الانتخابات مزورة. حدثت انشقاقات في الأحزاب الإسلامية في السنوات الماضية، ما جعل البعض ينظرون إليها على أنها ربما فقدت جوهر رؤيتها في العمل السياسي والذي يرى الإسلاميون أنه يقوم على التجرد وخدمة المجتمع، ما رأيكم في هذا الطرح؟ دعني أقر، وحتى نرى الصورة حقيقة، من أن هذا التشرذم مرفوض مبدئيا، وهو ظاهرة تبعث رسائل سلبية للمجتمع، لكن بالمقابل لكي تكون النظرة موضوعية لابد من الإشارة إلى المناخ التي تشتغل فيه الأحزاب السياسية في الجزائر عموما، وليس فقط الأحزاب الإسلامية. وبالمناسبة فإن الانشقاق لم يقتصر فقط على الأحزاب الإسلامية فقط، تصور أن الحزب الحاكم اليوم لو ترفع السلطة يدها عنه لأصبح في خبر كان ولانقسم ربما إلى عشرين حزبا أو أكثر. المناخ الذي تشتغل فيه الأحزاب السياسية مناخ غير عادي وغير طبيعي، وبالتالي إذا أردتم مثلا أن تغرسوا نبتة ولم تهيئوا لها التربة ولم تهيأ لها الأجزاء فإنها لا تنبت أو تنبت على اعوجاج. نفس الشيء بالنسبة للعمل السياسي في الجزائر. هذا الخنق والغلق السياسي والإعلامي وتشويه المؤسسات.. في بعض الأحيان فإن الشخص النزيه يستحي أن يقول أنا برلماني وذلك بالنظر لما لحق البرلمان من تشويه وهو تشويه، للأسف الشديد، متعمد والجهاز التنفيذي المهيمن على دواليب السلطة، لا يحتاج برلمانا قويا ولا يريد مثل هذا الأمر، وجهاز مراقبة قوي يسقط الوزراء ويسقط الحكومة ويمارس الرقابة الشعبية الحقيقية مثلما ينص عليها الدستور. ما تعليقكم على من يقول إن الأحزاب الإسلامية خالية من الديمقراطية؟ نحن في حركة النهضة جسدنا التداول على المسؤولية، وكنت شخصيا أمينا عاما في الحزب وكنت أستطيع أن أكون على رأس الحزب لعهدة أخرى بالانتخاب والديمقراطية، ولكن أثرنا أن نكرس تقليدا آخر لأننا نؤمن أنه يجب على الأحزاب السياسية أن تجسد في الواقع ما تطالب به السلطة، فإذا كانت السلطة تطالب بالتداول السلمي على المسؤولية فلتجسد هي التداول، وإذا طالبتها باحترام القانون والكفاءة عليها أن تحترم ذلك هي الأخرى وهكذا.. ولذلك أظن أننا تجاوزنا في حركة النهضة هذا الموضوع عمليا وليس بمجرد شعارات. لاحظنا أن أحزاب سياسية عديدة، بما فيها الأحزاب الإسلامية، عاشت مشكل الزعامة، بأشخاص عمروا طويلا على رأسها، إلى درجة أن البعض منها ضعف أو اندثر لمجرد ذهاب الزعيم، ألا يعكس ذلك ضعف كبير في الأداء السياسي لدى هذه الأحزاب وهياكلها؟ أشرت من قبل إلى أنه لما تغييب أجواء الحريات وشروط الممارسة السياسية الحقيقية في البلاد، لا تنتظرون أن يشذ الحزب عن القاعدة، الأحزاب جزء من المنظومة السياسية في البلاد ومثلما يتشبث المسؤولون في الدولة بمواقعهم، نجد نفس الشيء لدى الأحزاب السياسية، مع حالات هنا وهناك، مثلما حدث في حركة النهضة من تداول على المسؤولية. وبالنسبة لما تحدثتم عنه من مسألة الزعامة فهذا طبعا خلل لكنه آيل إلى الزوال، وإذا نظرتم إلى الشخصيات وبعض الرموز، منهم حسين أيت احمد، نطلب له الشفاء، الذي حكم الحزب منذ تأسيسه ولكن وصل إلى قناعة في نهاية المطاف وتخلى مؤخرا عن الحزب، وقال إن دورة الحياة تقتضي أن أتخلى عن مسؤولياتي في الحزب. والبعض الأخر لم يتخلى ولكنه سيتخلى، وإذا لم يتخلى بإرادته فسيتخلى بإرادة المولى عز وجل.. وهي سنة من سنن الحياة..