مدينة ورقلة، من أقدم المدن الصحراوية، لديها ثروات طبيعية ومخزون سياحي، ومجموعة قصور ومساجد عتيقة، تثير حسابات لدى من يفكرون في جعلها، يوما ما، قطبا سياحيا بالجنوب. الغريب في هذه المدينة والولاية، أن المعالم الأثرية التي تسجل تاريخ المدينة وهنّات أهلها عبر العصور، بقيت خارج حسابات واهتمامات مسؤولين في الدولة، وتعمل وزارة السياحة حاليا على الترويج لسياحة ما بعد البترول، وأغرب من كل هذا أن سكان الولاية غير مهتمين بالمعالم الأثرية. فوضى عمران.. لفت انتباه "الجزائر الجديدة" في زيارة لورقلة، طريقة فوضوية شيدت بها بنايات، غطت المعالم الأثرية، حتى ان الزائر لا يستطع التمييز بين المعلم، وبين المنازل. فقدت الولاية طابعها الصحراوي، بقد قرون من تسميتها "عاصمة الصحراء" (بين القرنين ال14 وال18). العالية.. عاشقة التاريخ لا تبعد بلدية العالية بلدية عن عاصمة ولاية ورقلة الا ب130 كيلومترا شمالا، وتقع بحدود دائرة الحجيرة، استقبلتنا طيلة خمسة أيام من الاستكشاف والوقوف عند معالمها الأثرية وقصورها التاريخية. هي بلدية حافظت على مقوماتها الطبيعية، مثل واحات النخيل والكثبان الذهبية، وما تركه الإنسان من قصور تعود إلى الثلاثينات، وزوايا عتيقة أقرب إلى قلوب أهالي المنطقة، قربهم الى التهليل والتكبير.. الزاورة.. والسياحة الدينية بهذه البلدية عدد كبير من دور العبادة والزوايا والقصور التاريخية، بامكانها جذب السياح في إطار "السياحة الدينية أو الروحية"، إن وفرت لها وسائل ذلك، ومن يمكنه تجسيد الفكرة.. نظمت زاوية سيدي بلعلمي التيجانية، "الوعدة السنوية" او "الزاورة"، وهي عادة لدى سكان المنطقة، شهر نوفمبر من كل سنة، تستقطب الزاروة آلاف الزوار من 48 ولاية، وبعضا من سياح الدول المجاورة. بلغ عدد الوافدين على الوعدة، هذا العام، ما يزيد عن 7000 شخص من الولايات المجاورة فقط مثل الوادي، غرداية، الأغواط..، رغم ان بالعالية مرقد وحيد، هو مقر البلدية القديم، الذي افتتح مؤخرا، ويحتضن مقر الديوان المحلى للسياحة. وتوافد على الزاورة أيضا رجال دين واقتصاد وسياسة، مثل الوزير السابق والخبير الاقتصادي، بشير مصيطفى، الذي قدم محاضرة حول السياحة الروحية والدينية وتأثيرها في الاقتصاد. قصر الطيبين.. وفي جولة الى معالم البلدية، نظمها الديوان المحلي للسياحة بالعالية، زرنا أماكن وقصور تاريخية، منها القصر القديم بالطيبين، مبني بمواد محلية من طين ورمل، يتوسطه جامع، يقدم نموذجا مميزا للعمارة الصحراوية التقليدية، وهو قصر يقابل زاوية سيدي عبد الحميد التيجاني، في بلدية الحجيرات، وجدناه في حالة متقدمة من التدهور، وكثير من أجزائه تتساقط، رغم أنه مصنف "تراث وطني محفوظ". جامع الشقة صامد رغم الإهمال وفي إقليم الشقة، الجامع العتيق "الشقة"، يبعد حوالي 30 كيلومتر شمال بلدية العالية، واقف وصامد أمام العوامل الطبيعية القاسية رغم الإهمال، ينتظر من يرمقه بعين الخبير في الترميم، قبل عين السائح.. يقول مدير السياحة "إن هذه المقومات في دائرة واحدة فقط من دوائر ولاية ورقلة، إن استطاعت الحصول على دعم وجذب الاستثمارات السياحية، يمكن أن تكون قبلة لآلاف الزوار سنويا ومصدرا جديدا في موارد الولاية المالية، بعيدا عن الطاقة والمحروقات"، مثلما قال بشير مصيطفى، في محاضرة عن السياحة الدينية. سدراتة.. حكاية أخرى في ولاية ورقلة تعتبر"سدراته"، من أقدم المدن، تأسست في القرن العاشر ميلادي، تجمع بين غابات نخيل، بمنطقة الشط وعجاج، مع رمال ذهبية في سيدي خويلد، إضافة فنتازيا، وصناعات تقليدية تستحق الترويج والإشهار، وللأسف لم تجد من يهتم بها ويحاول الاستثمار فيها. ديوان محلي بحلم وطني! يسعى الديوان المحلي للسياحة بالعالية، تحت شعار "الواجهة السياحية الصحراوية الواحاتية"، إلى تجسيد برنامج ترقية نشاطات سياحية، وتنظيم رحلات وزيارات ومبادلات سياحية محلية وعالمية، مع سعي ثان لتصنيف المواقع الأثرية وتصنيفها وحمايتها، وترميم بعضها، وأول الخطوات في هذا الاتجاه، كانت باسبوع حول "السياحة الروحية والدينية وتأثيرها في الاقتصاد الوطني"، بالتعريف بالموروث الثقافي والسياحي لبلدية العالية بولاية ورقلة، رغم النقائص في المنشآت القاعدية. واعترف الأمين العام لولاية ورقلة، علي بوزيدي، بوجود عوائق كثيرة أمام نجاح السياحة ببلادنا، أهمها ذهنيات ينبغي تغييرها، لتقبُل الآخر، في السياحة الداخلية أو الخارجية، وأكد ضرورة تكثيف التكوين في الفندقة والخدمات السياحية، والاتصال كعائق أمام السائح الأجنبي بشكل خاص..