في سنة 1970، أعلن الممثل الامريكي الشهير كلينت ايستوود، الذي نشط حفل توزيع جوائز الأوسكار الأمريكية، رفقة الممثلة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالي، عن فوز الجزائر بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي عن فيلم "زاد" الذي دخل المسابقة باسم الجزائر. هو إنجاز فني غير مسبوق في تاريخ السينما الجزائرية والعربية، يوم صعد أحمد راشدي لمنصة التتويج، بصفته مسؤولا عن قسم الإنتاج في المؤسسة القومية لتجارة وصناعة السينما الجزائرية منتجة الفيلم، لاستلام واحدة من أكبر الجوائز السينمائية العالمية باسم الجزائر، في عزّ ازدهار السينما الجزائرية قبل أن تتراجع بشكل ملفت. فيلم "زاد" ويعني حرف الزاي بالفرنسية، والذي يعتبره النقاد أحد أبرز الأفلام السياسية، في تاريخ السينما العالمية، ثمرة من ثمرات الإنتاج السينمائي الجزائري المشترك، مع السينما العالمية، صوّرت معظم مشاهده في الجزائر العاصمة، وهو من إخراج المخرج السينمائي الفرنسي، ذي الأصول اليونانية كوستا غافراس (1933)، وبطولة نخبة من نجوم التمثيل الفرنسي على غرار جان لويس ترانتينيون، ايف مونتان، إلى جانب الممثلة اليونانية إيران باباس، وبمشاركة الممثلين الجزائريين حسن الحسني، سيد أحمد أقومي وعلال الموهيب. تدور أحداث الفيلم والمقتبس عن رواية بنفس العنوان للكاتب اليوناني فاسيليس فاسيليكوس (1934)، حول حيثيات الانقلاب العسكري الذي وقع في اليونان في منتصف الستينيات، أين قام الجيش اليوناني بالاستيلاء على السلطة، وباشر سلسلة من الاغتيالات، طالت مجموعة من المعارضين السياسيين، على رأسهم النائب البرلماني لامبراكيس، الذي أغتيل عام 1963 في مدينة سالونيك. فيلم "زاد" وهو حرف ينطوي على دلالة سياسية رمزية في اللغة اليونانية القديمة وتعني "إنه حيّ"، استخدمه المعارضون السياسيون للانقلاب في اليونان، بحيث كانوا يكتبون هذا الحرف على جدران المدن اليونانية، احتجاجا على اغتيال لامبراكيس، وتنديدا بسياسة القمع المنتهجة من طرف الانقلابيين. وقد صرّح المخرج كوستا غافراس بخصوص الفيلم، في زيارته الأخيرة للجزائر بقوله "لا يزال هذا الفيلم يعرف رواجا عبر العالم، وهو كما تعرفون مقتبس من رواية للكاتب اليوناني «فاسيليس فاسيليكوس»، وقد صوّرته في الجزائر، وأشركت فيه الممثل الشهير المرحوم حسن الحسني، من منطلق أن الفيلم يعد إنتاجا مشتركا مع الجزائر، وقد اخترت الجزائر كمكان للتصوير لاستحالة التصوير في اليونان، بسبب حكم العقداء، ولقد أخذ فيلم "زاد" مساره وأصبح رجلا يسلك مسالكه بنفسه. هناك أفلام كثيرة تعرف مثل هذا الرواج والانتشار، وتقاوم النسيان والاختفاء بسبب جدية المواضيع التي تتناولها، وأعتقد أن الفيلم السينمائي الذي يتناول موضوعا جيدا مرتبطا بالحدث التاريخي، هو الذي يجد كل هذا الرواج والبقاء، وأنا جد سعيد بعرض فيلم "زاد"، إلى جانب أفلام عمالقة السينما العالمية، أمثال أورسن ويلس، واينغريد برغمان". وأضاف مخرج فيلم "رأسمال"، قائلا أنه من بين السينمائيين الفرنسيين الذين ترددوا كثيرا على الجزائر، بحكم تصوير فيلم "زاد"، كما أشرت إليه سابقا، وبحكم صداقاتي مع الوسط الفني والسينمائي. وأضاف "أدين كثيرا للجزائر ما وصلت إليه، وليس بإمكاني نكران جميلها عليّ. كانت الجزائر تزخر بسينما ناجحة دوليا، وقد حققت عدة نجاحات عبر عدد من المهرجانات الكبيرة عبر العالم من مهرجان «كان» إلى مهرجان «البندقية»، لكن اليوم مع تراجع الإنتاج السينمائي، ليس بإمكاني إصدار أية أحكام عن هذا الواقع. السينما الجزائرية اليوم بحاجة إلى مزيد من الإنتاج حتى تستعيد مكانتها الضائعة، وأعرف أنه يوجد ثلة كبيرة من السينمائيين بإمكانهم استعادة هذه المكانة". لعل سرّ ازدهار السينما الجزائرية، سنوات الستينيات والسبعينيات، يعود أساسا إلى أنها لم تكتف بإنتاج أفلام جزائرية فحسب، بل اشتركت مع دوّل متطوّرة سينمائيا، ومخرجين عالميين مرموقين، في إنتاج أفلام عالمية مع مخرجين كبار، على غرار المخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو، مخرج فيلم "معركة الجزائر"، والمخرج كوستا غافراس، وكذلك المخرج المصري يوسف شاهين، وغيرهم، كما استعانت بخبرات أجنبية في صناعة أفلامها، في المجالات التقنية، ومجالات التصوير، والموسيقى والتمثيل، وهو ما جعلها بالتالي تحصد أكبر الجوائز السينمائية العالمية، وتتبوّأ مكانة متميّزة في تاريخ السينما العالمية.