"عبد القادر فراح، فنان أصيل في زمن بخيل" أصدر المسرح الوطني الجزائري كتيبا جديدا عنوانه "عبد القادر فراح ، فنان أصيل في زمن بخيل" تزامنا مع اللقاء الأخير الذي جرى على مدار يومين حول السينوغراف والمسرحي عبد القادر فراح والذي جاء عقب تسلم المسرح الوطني الهبة التي تركها الراحل وأوصى بها والمتضمن كتبا ومجموعة من المراجع في فنون شتى تصلح للاطلاع عليها ودراستها من قبل طلاب ومهني الفن الرابع والمتخصصين في تصميم المشاهد على الخصوص. خليل عدة الكتاب يقع في 80 صفحة ويضم مقدمة حوارين أجراهما أزراج وصدرت وقتها حصريا على صفحات مجلة الدستور بالإضافة إلى ترجمة بالفرنسية. وبعد رحيله القصري إلى بريطانيا في 1986 والاستقرار بعاصمة الضباب سمع أزراج باسم عبد القادر فراح من خلال قراءة حوار أجراه الكاتب المسرحي المصري ألفرد فرج مع السينوغراف فراح، تحدث فيه-مثلما قال- عن مصمم عالمي متخصص في السينوغرافيا، وقد جرد أزراح اسم المركز الثقافي اللندني "الباربكان" الذي أخذ فراح فيه الفرد فرج ليشاهد إحدى مسرحيات شكسبير التي قام هو أي فراح بتصميم مناظرها وملابس الممثلين فيها. وكان الاتصال الأول هاتفيا بعد الحصول على رقمه، أعجب خلاله أزراج بلهجة فراح وانكليزيته الراقية وتناهى إليه صوته الهادئ المسترسل المتهادي والواضح جدا، ولم يدري سبب تلك السعادة التي غمرته حينها، بعد أن قدم له نفسه كشاعر وكاتب وصحفي، وعن نيته في إجراء حوار معه، فرحب بطلبه وبعدها بدأت العلاقة التي استمرت لأكثر من عشرين سنة. وكان الموعد بمركز الباربكان الذي يصنف كأكبر مركز ثقافي وفني بأوروبا، وخلال طاولة العشاء في مطعم هندي حدثه فراح كثيرا وطويلا عن تفاصيل من سجلات حياته ومسقط رأسه بقصر البخاري وحياته في باريس ورحلته عبر العواصم الأوروبية، ويتذكر أزراج الرجل كان في نبرته حنين كبير جارف إلى بلاده ، وأن الرجل نشر في مجلة "ليسبري" التي تأسست في 1932 من طرف "ايمانويل مونيي" مسرحية "رجل ريبيك" في ديسمبر 1953 في نفس العدد الذي نشر فيه كاتب ياسين صاحب "نجمة". كما حدث فراح أزراج عن علاقته بالكاتب المسرحي الشهير "بيتر بروك" وعدد له النقاط المشتركة بينهما عندما عملا معا جنبا الى جنب في عدد من المسرحيات، وعن صداقاته التي نسجها مع كبار الممثلين والبارزين في الساحة المسرحية والسينمائية والفنية التشكيلية العالمية، عمر الشريف واحد منهم. عاد أزراج خلال اللقاء والوقفة التكريمية التي نظمها المسرح الوطني في اليوم الثاني منه، وموضوع مداخلته "ذكرياتي مع عبد القادر فراح" عن العلاقة التي كانت تنسج بين الشاعر والسينوغراف والتي كان أساسها المودة الصادقة، ملفتا الانتباه إلى أن الإعلام المشرقي كان يركز على الفنانين المشارقة ويغض الطرف عن غيرهم، مؤكدا أن الإنسان الجزائري عندما يجد نفسه في الخارج يتأقلم ويبدع بسرعة بينما في الداخل يضغط عليه ويقزم، يصغر ويهمش ويعزل. حكى فراح لأزراج عن علاقته بشخصية عمر راسم وعن جانبه الإنساني وهو الذي يساعده ويتعهده لأنه رأى فيه بذرة التفوق وحرص على أن يضمن لها التطور، كان يقدم له الوسائل ومعدات الرسم ويشرح له اللوحات. تحدث فراح عن علاقته بالتراث وعن التعرف على الأرض والرغبة في تسمية الأشياء "تعرف على الأرض وسمي الأشياء" تكتسبها. كما استرسل في الحديث لازراج عن المعمار بجنوب البلاد واستخدام القباب، كان يتكلم بعذوبة وصدق، فالقبة هي بمثابة الرأس للإنسان، وعرج بعدها إلى علاقته بعائلته والده الذي كان يكرر زمن الاستعمار على مسمعه الحديث المأثور "اطلب العلم ولو بالصين"، وعن نسج الزرابي والصوف والألوان وعن التراث السردي وحكايات ألف ليلة وليلة وقصص أخته حليمة التي كانت تروي لهم ألف ليلة وليلة خاصة حكاية "مدينة النحاس" والتي بقيت عالقة في ذهنه ووجدانه، واستطرد أزراج للحديث عن أخطار التقنية وما جاء عن هيدغر من كونها ستبعد البشر عن كينونتهم وذواتهم. كما تحدث له فراح عن "أبو منصور الحلاج" وعن "الحضرات" الصوفية وعن السادة " العيساوية " والأهازيج وعن سباق الخيل، والمعارف الموسيقية ودائرة الأبراج والكواكب وعلاقتها بالفنون العقلية السبعة المرتكزة على الأرقام "الحساب، الهندسة ، الموسيقى والفلك" والمرتكزة على الكلمة "القواعد، الجدل، والبلاغة". أعجب أزراج بطريقة فراح في الذهاب إلى التراث والزج به في العصر الحديث. فراح بالنسبة للشاعر عمر إنسان مؤدب وخلوق، وليس بالشخص الذي يستعرض نفسه ليلغي الآخر، إذ يعتمد في حديثه على طلاقة اللسان، وله طريقة خاصة في مخارج الحروف وكأنك في فضاء شكسبير أو ملكة بريطانيا ، لقد اشتغل فراح على النصوص و"معنى المعنى" والعلاقة الباطنية بالكون وهو عمل لإعادة بناء النص، وقد حضر عمر بعض المسرحيات مع فراح ويرى أن عمله يشبه أو له علاقة بالسحر، الذي يبعث على الإبهار والمتعلق بحركة الكون. اقترح عمر بعد أن توطدت العلاقة بينه وفراح أن يضع كتابا في السينوغرافيا أو أن يسجل كامل تجربته العملية والنظرية وهو ما فعله ووضعه في مجموعة من التسجيلات تتواجد عند ابنته ليليى فراح، ولم يخف عمر ما كان يشعر به السينوغراف الراحل من تجاهل بلده معبرا عن ذلك ب "الحقرة" لذلك ربما رفضت ابنته أن يحضر أي شخص في وفاته بما فيهم أزراج نفسه. ردد عمر ما جاء على لسان "جون فرانسوا ليوتار" حيث يقول أنا جزائري موقفا نسوني". دعا عمر في نهاية حديثه عن فراح، إلى الاهتمام بالطاقات المتواجدة خارج الوطن والى استحداث مركز استعلامات ثقافية والى تكثل أو لوبي إعلامي جزائري بالغرب، أوروبا وأمريكا.