ففريق منهم أدرك سرّ الحياة فآمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، وعلم من دينه أن الحياة رحلة ابتلاء، يعبرها المؤمن مسافراً إلى ربه، يرجو زاداً يبلغه إليه سالماً غانماً. وفريق منهم أدرك تفاهة الحياة، وقصرها، واندثارها، بَيْدَ أنه ضلّ الطريق، فاتخذها قراراً، ورضي بها منزلاً، ولم يعمل لزاد رحلته حساب! فهو في تناقض واضطراب، وتضادٍّ وعذاب. فمن أي الفريقين أنت؟ وهل أعددت زاداً للرحيل؟ فرسول الله يوصيك أن تكون كذلك، ويقول: « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» رواه البخاري. وابن عمر رضي الله عنهما الذي وجه إليه رسول الله هذه الوصية يقول: « إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك « رواه البخاري. وسواء أعددت نفسك من العابرين لسبيل الحياة أم أعددت نفسك من الخالدين المقيمين فأنت في النهاية سترحل ! وفي سائر الحالات أنت عابرها ! فمُنى الخلود.. كالظل الزائل.. « وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ « هكذا خلق الله الحياة.. وهكذا أرادها» كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبَقَى وَجْهُ رَبِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ « الكل وإن طالت الأعمار راحل، وبريق الدنيا مهما لمع زائل، وعمودها مهما استقام مائل. دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: « إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا « قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: « إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه « وقال عمر بن عبد العزيز: « إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى «