لأول فيلم له، غامر المخرج الأسترالي «غارث دافيس» بمشروع فيلم «الأسد» (لاين) المعقد كي يروي لنا القصة المجنونة والصادمة للطفل الهندي «سورو» ، ويحاول من خلالها تنبيه العالم إلى مأساة الأطفال في الهند التي تسجل حسبما ختم به الفيلم اختفاء 80 ألف طفل سنويا، ناهيك عن قضايا أخرى لا تخص دولة الهند وحدها بل تميز كل البلدان التي تعيش بسرعتين، بين اقتصاد مزدهر يسوق للعالم كمثال نجاح وفوارق اجتماعية رهيبة يندى لها الجبين. مغامرة المخرج تتجلى أيضا عند متابعة كل أطوار الفيلم ونحن على علم بأنها قصة حقيقية وقعت في الماضي القريب جدا منا، ولما ندرك أن هذا الطفل «سورو» لم يعثر على عائلته الأصلية سوى قبل 05 سنة فقط من اليوم، وكل ذلك تم بفضل تطور التكنولوجيا وظهور برنامج «غوغل إيرث». صحيح، الفيلم يعاني من فقدان للنسق وللحدة الدرامية وسط مجرياته، لكنه يمنحنا بداية ونهاية قوية مشاعريا في شكل مشاهد عوض فيها الممثلين عن بعض السهو الذي وقعوا فيه خلال تطوير شخصية «سورو» البالغة في بلد تبنيه أستراليا، لكنه أيضا بدا مثاليا ومؤثر بشكل مرعب في أول ساعة منه التي جرت كليا في الهند والتي تابعت الطفل «سورو» وعائلته الفقيرة وسط هذه القارة المترامية الأطراف والمناظر الطبيعية الخلابة التي تخفي بصعوبة كبيرة حجم المآسي التي تحويها، ويبدو أن حتى المخرج رمى بكل ما لديه من إبداع وحس تراجيدي خلال هذه الساعة التي سعى ووفق من خلالها في وضع أسس لقصته وترسيخ الفصام الذي تعانيه دولة عظمى كالهند، بين بلد يعتبر مثالا للازدهار السريع من جهة وبين شريحة معوزة واسعة من جهة أخرى تعيش في ظروف مزرية تجبر فيها النساء على العمل في مناجم الصخور والأطفال على العمل والسرقة والمبيت في العراء من أجل كأس حليب أو حبة «زلابية»، حبة الزلابية التي للإشارة تلعب دورا محوريا في الفيلم وهي التي ستسمح للشاب المتلذذ بنعيم أستراليا بتذكر عائلته وبلده الأصلي وتولد لديه إحساسا بالنقص وسط هذا العالم الجديد الذي يتنعم فيه وسط عائلة أسترالية قررت تبنيه. وهنا، في المرحلة التي نضج فيها «سورو» وأدرك أنه لن يعيش سعيدا ما لم يحل معادلة أصوله وعائلته الأم، أخفق المخرج نوعا ما في منح المشاهد عمقا دراميا وسيرورة متناغمة تليق بمقام هذه المساءلة الفردية والتيهان الهوياتي ، باستثناء مشهد واحد قوي ومؤثر يدار فيه حوارا بين الأم بالتبني والطفل الضائع في شكل جدلية حزينة جدا لامرأة تقمصت دورها ببراعة الممثلة «نيكول كيدمان» سعت إلى المساهمة في إنقاذ العالم من خلال تبني أطفال مشردين متخذة قرارا جريئا بعدم الإنجاب ولرجل يحاول اكتشاف من هو دفعه إلى ذلك إلحاح داخلي للبحث عن أصوله رغم كل الحنان الذي حظي به في عائلته الجديدة والحياة الرغدة التي محته إياها. الجزء الأخير للفيلم عاد بنا إلى نفس عمق الجزء الأول بعد أن تمكن «سورو» من العثور على مسقط رأسه بفضل تطور التكنولوجيا وقليل من الحظ، فكانت مشاهد عودته إلى الهند وإلى بلدته ومن ثم لقاء والدته الطبيعية غاية في الجمال والتأثير، فبالرغم من الصعوبة التي خلقها المخرج نفسه للممثلين قصد تصوير مشهد بهذه الحدة بعد أن سافر بنا بعيدا جدا في استحالة هذا اللقاء، إلا أن الممثلين من أصول هندية وفقوا ببراعة في منحه واقعية مبهرة، ستظل راسخة في ذهن المشاهد وكأنها لقطة لقاء فعلي وواقعي، كالتي سنشاهدها في آخر الفيلم والتي لا تختلف كثيرا عن ما قدمه لنا الممثلين. فيلم «الأسد» رشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم سنة 2016 ولكنه لم ينلها، تماما كما لن تنل الجائزة أفلام أخرى أفضل بكثير من المتوج «موونلايت»، وهذا دليل آخر على أن نسخة 2016 لجوائز الأوسكار كانت مسيسة وخاضعة لمعايير غير المعايير السينمائية، لأن قوة الطرح في هذا الفيلم وجمالية الفوتوغرافيا والمشاهد الواسعة والعمق الدرامي والموسيقى التصويرية وكذا أداء الممثلين من الطفل الهندي الصغير إلى المخضرمة «نيكول كيدمان» كلها عوامل تجعل منه من بين أفضل أفلام 2016، ولتذهب تصنيفات أكاديمية الأوسكار إلى الجحيم.