تفاديا للجوء الجزائر إلى الاستدانة الخارجية لتمويل اقتصادها في نموذجه الجديد ، تضمنت خطة عمل الحكومة التي قدّمها الوزير الأول أحمد أويحيى لمجلس الوزراء الأخير و وافق عليها - في انتظار عرضها على نواب البرلمان اليوم - تعديل َ قانون النقد و القرض و اللجوء إلى التمويل غير التقليدي للمشاريع . فما التمويل التقليدي و غير التقليدي ؟ و ما هي التعديلات الممكن إدراجها ؟ و ما هي الوسائل المتاحة الممكن الاستناد عليها قبل الوصول إلى الاستعانة بالبنك المركزي ؟ و لماذا اللجوء إلى البنك المركزي يشكل خطورة ؟ لقد خضع قانون النقد و القرض في الجزائر الصادر في 1990 إلى تعديل و كان الأخير في 2000 وغالبا ما يتم اللجوء إلى هذه التعديلات في حالة تسجيل عجز في ميزانية الدولة أو شح في الموارد و يصبح الأمر صعبا في ظروف الجزائر الحالية لعدة أسباب لعلّ من أهمها الأزمة المالية العالمية التي تحوّلت إلى أزمة اقتصادية ، أضف إلى ذلك التقهقر الرهيب في أسعار النفط ( المورد الأول في تمويل الاقتصاد الجزائري ، و إن كان قد عرف هذه الأيام بعض الارتفاع تبعا لحدوث إعصار أرما ) ، ارتفاع نسبة التضخم ، تراجع مداخيل صندوق الاستثمار ، عدم تحصيل ما يسمى اصطلاحا في لغة الاقتصاد بالمال العائم في السوق السوداء و الذي يعدّ بالملايير كما أنّ هشاشة قاعدة الاستثمارات الأجنبية و تفضيل مستثمرين الذهاب إلى بلدان لا تعمل بقاعدة 49 – 51 تزيد في انخفاض قيمة العملة الوطنية ( فمثلا عندما يُفتح قطاع الخدمات بكل روافده و في شتّى أبعاده كما هو الشأن بالنسبة للسياحة يحدث طلب على الدينار الجزائري و ترتفع قيمته ) . يتم اللجوء إلى البنك المركزي لتمويل الخزينة العمومية كآخر خطة يتم الذهاب إليها بعد استنفاد طرق التمويل التقليدي باعتباره يمثل سيادة الدولة و المخوّل قانونا الحفاظ على التوازنات المالية و النقدية ، كما أنّ هناك ضوابط يجب الالتزام بها في حالة اختيار هذا الاجراء كآخر حل لإنقاذ الاقتصاد و هي ضرورة إرجاع الأصول المالية للبنك في ظرف سنة واحدة أو سنتين كأقصى تقدير و بما أنّ اقتصاد الجزائر هش وموارد تمويله غير مستقرة فأنّ امكانية إعادة المستحقات للبنك المركزي غير مضمونة و يصبح معرضا لمخاطر لعدم وجود برنامج مرافق و البنك المركزي يمثل سيادة الدولة . ثم ليس عيبا أن تلجأ الدولة إلى البنك المركزي إذا كان اقتصادها قويا ، متنوعا ، دخوله المالية مضمونة و قادرا على تسديد ما تمّ أخذه من البنك المركزي و هو ما حدث مثلا في اليابان و الولاياتالمتحدة و فرنسا التي تعرض اقتصادها إلى بعض الوعكات و تمّ تدارك الأوضاع في ظرف سنة . البدائل الممكنة و التعديلات المتاحة أمام انقاذ الاقتصاد الوطني من تمويل غير تقليدي الذي تود الحكومة الذهاب إليه موجودة كأن يتم الاعلان عن قرض سندي ثان ، إذ يقول خبراء ماليون و مصرفيون أنّ القرض السندي الأول حقّق نتائج مرضية يمكن بالتالي اللجوء إلى « طبعة « ثانية ، علما أن القرض السندي يثريه الأشخاص المعنويون و الماديون دون نسيان تفعيل البورصة و أيضا ترشيد نفقات الدعم التي تعد بالملايير . يتساءل الخبراء : لماذا يظل القانون الذي يحكم البنوك مستعصيا و غير مرن إذ يمكن حل رأس مال بنوك عمومية و اخضاعها إلى شراكة مع الخاصة منها و أيضا التمويل النقدي و بالتالي يكون هناك ابتكار لموارد انعاش التمويل ، و في حالة اعطاء المبادرات للبنوك تتحقق التركيبات المالية مع البنوك الخاصة و يعد الأمر تمويلا تقليديا و بإمكان هذه المصارف تمويل العجوزات ( عجز الميزانية ، عجز الميزان التجاري ، انعاش احتياطي الصرف ...) و هنا لن يكون الاقتصاد في حاجة للجوء إلى بنك الجزائر لسد أو تسديد العجز و المسألة هنا لا تتعلّق بتمويل بقدر ما تتعلّق باعادة هيكلة تنظر في الملفات الكبرى كالقطاع العمومي و البنوك و أموال الدعم . خطة عمل الحكومة التي لم يتم بعد التعريف بها في شقها الاقتصادي و كيفية تعديل قانون النقد و القرض وضعت الخبراء الماليين و المتخصصين في القطاع أمام عديد الأسئلة مع تخوّف بارز من امكانية الذهاب مباشرة إلى البنك المركزي ، و يقول الخبراء الجزائريون أنّ ثمة بدائل يمكن الذهاب إليها و لكن وضعية الاقتصاد الهش هي التي تفوّت على هذه البدائل نجاعتها و أيضا عدم مرونة الترسانة القانونية .