كنتُ في مرحلة التعليم الابتدائي مشغوفا بمشاهدة الأفلام الهزلية للفنانين العالميين "شارلو" شارلي شابلين، و"هاردي ولوران"، ومغامرات طرزان وزنبلا. أما في فترة دراستي بالمتوسطة فقد صرت أرتاد قاعات السينما لمشاهدة بعض الأفلام المتنوعة التي كان ينتظرها جمهور متذوق. وفي المرحلة الحاسمة من الطفولة أي في الستينيات من القرن الماضي كانت بمدينتي غليزان قاعتان جميلتان (كازينو، ودنيازاد) تعرضان أفلام رعاة البقر (الوسترن)، والأفلام الهندية والمصرية التي حببت إلي فنا آخر وهو الغناء والموسيقي، فتعرفت على روائع كوكب الشرق أم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم. ثم وصلنا الإنتاج السينمائي الجزائري، وكان كله حول الثورة التحريرية المظفرة، ومنها فيلم (معركة الجزائر) الذي كان له صدى واسع بين كل الأوساط الشعبية وقد تفرج عليه جل سكان المدينة، ثم شاهدنا أعمالا أخرى تمجد بطولات المجاهدين في أثناء الثورة التحريرية ومنها (الليل يخاف من الشمس) لمصطفى بديع، و(ريح الأوراس( لمحمد لخضر حمينا، وغيرهما، إن شغفي بالرواية منذ سن المراهقة، كان له دور في هذا الاهتمام بسير الأدباء العالميين، ولأنني تعرفت على انشغال بعض الروائيين الكبار بالسينما وعالمها السحري، ازددت عشقا للفن السابع الذي ساهم في تكويني الثقافي كما أثر ى تجربتي الإبداعية وترك بصمته في بعض رواياتي. لقد أدركت أهمية هذا الفن وعلاقته بالرواية، مذ حظيت بالتفرج على أول فيلم روائي جزائري وهو (الأفيون والعصا) للمخرج أحمد راشدي، أما صاحب الرواية التي أقتبس منها السيناريو فهو الأديب والباحث مولود معمري الذي كنت قد قرأت روايته (الربوة المنسية). وازداد شغفي بهذا النوع من الأفلام بعدما شاهدتُ فيلم (ريح الجنوب) للمخرج رياض سليم، والمستمد من رواية عبد الحميد بن هدوفة. وكنا وقتذاك ننتظر أن تبادر السينما الجزائرية بإخراج أفلام روائية أخرى، وللأسف لم يلتفت المخرجون الجزائريون حتى إلى أعمال الطاهر وطار ورشيد بوجدرة وهما من أبرز الأدباء في السبعينيات من القرن الماضي، وقد يكون مرد ذلك العزوف إلى تخوف المخرجين من الموضوعات الجريئة التي تطرقت إليها رواياتهما، وبخاصة في "اللاز" و"التطيق" و"التفكك". لم تكن الرواية الجزائرية محظوظة عند جل المخرجين وهذا بالرغم من صدور عدة أعمال إبداعية ناجحة وتتوفر فيها كل الخصائص التي تجعل منها نصا صالحا للسينما، وحتى روائع الأدب الجزائري الذي صدرت في فترة ما قبل الاستقلال الوطني، لم يلتفت إليها السينمائيون، ونستثني منها أعمال روائيين اثنين هما: محمد ديب (دار السبيطار)، ومولود معمري (الأفيون والعصا). بمرور الوقت ازداد ميلي إلى الأفلام المستلهمة من النصوص العالمية لروائيين كبار كنت قرأت لهم، وانعكس أثرها على تجربتي الأديبة إذ أفدتُ من بعض تقنيات السينما مثل تصوير المقاطع وفلاش باك، وتجلى هذا التأثر حين شعرتُ برغبة في كتابة السيناريو بل خضت المغامرة بحماسة، ربما مقتديا بنجيب محفوظ ورشيد بوجدرة، وقد حظي أحد نصوصي بعمل تلفزي ولكني لم أواصل التجربة لأسباب عدة منها استقراري بمدينة بعيدة عن الجزائر العاصمة المركز الوحيد لنسج العلاقات مع رجال السينما. إلى حد الآن أجد متعة في مشاهدة الأفلام والمسلسلات المستلهمة من روايات عمالقة الأدب العالمي، وقد ساعدتني هذه التجربة في استرجاع بعض أحداثها والالتقاء مجددا مع شخوصها، وتحضرني هنا رواية "البؤساء"، "والحرب والسلام"، و"الدكتور زيفاقو". كما كنت أتابع الأسماء التي يعرضها الجينيريق لأعرف من كتب سيناريو الفيلم، والمعلوم أن الروائي العالمي وليم فوكنر انضم إلى هوليود واحترف كتابة السيناريوهات، كما مارس الأديب جون اشتانبيك هذا الفن ومنه سيناريو فيلم "فيفا زباتا" الذي شاهدته مؤخرا وأشرت إليه في روايتي (سفر السالكين) الصادرة سنة 2014. وبالنسبة للسينما العربية فأول فيلم روائي أثار إعجابي، ولازالت بعض مشاهده المؤثرة راسخة في ذاكرتي هو فيلم (الأرض) المستمد من رواية عبد الرحمن الشرقاوي. كما وجدت نفسي مشدودا أكثر إلى عوالم الأديب العالمي نجيب محفوظ الذي قرأت جل أعماله، كما شاهدت أفلاما ومسلسلات مقتسبة من عالمه الإبداعي وآخرها ملحمة (الخرافيش). إن الروائي المعاصر ومهما كانت موهبته، سيجد نفسه منجذبا إلى السينما لينهل من معينها، وهو أيضا سيساهم في إثراء السينما إذا ما سنحت له الفرصة بالتواصل مع رجالها