لا نحتاج إلى أن نقف وقفة طويلة حتى نعي ما أفرزه الدخول الى مجتمع المعرفة من تداعيات في حياتنا اليومية. ذلك أنّ الشبكة قد اخترقت كلّ الحدود. واللافت للانتباه في الظاهرة هو التزايد المطرد لما يسمى بالرحل الجدد الذين يقيمون في الفضاء السيبري. ملايين من عابري السبيل، طلابا و أساتذة وتجارا وسياحا وسينمائيون وبطالون، ويمتد الفضاء كي يسع الجميع من مستعملي الحواسيب و الانظمة الرقمية. يتجاوزون الزمان والمكان ويقيمون على اثرها علاقات جديدة تتحكم فيها شبكات الانتاج في العالم وتنتج على اثرها ثقافة افتراضية تتموقع في اطار التدفقات و اختراق كل المجتمعات بفضل التيار الجارف للمجتمع الشبكي. لقد أصبحنا محكومين وعلى حد قول مانويل كاستيلز بقطبين مركزيين: قطب الشبكة و قطب الذات الفاعلة. إذ أننا أمام بنية اجتماعية جديدة تؤثر و تتأثر بمجتمع المعرفة الذي نعايشه الآن. ولئن بدا ظاهرا تأثير تكنلوجيا المعلومات من حاسبات الكترونية وبرمجيات واتصالات ونظم معالجة المعلومات في إتاحة المعلومات. فإن الحديث عن قطب الذات الفاعلة يحتاج الى كثير من التمعن. ذلك أنّ مفهوم الهوية لايزال هلاميا وواسعا كونه يحمل تشكيلة واسعة من الخصوصيات. و التي تظهر من خلال التمثل الثقافي للمستخدمين. و تظهر هذه الذاتية من خلال ترويج الذات البديلة. أين تنمحي خصائص الحضور الفيزيائي، ويصبح الفرد معروفا من خلال عنوان اسم المجال أو عنوان البريد الإلكتروني أو الاسم المستعار أو الصورة الرمزية التي يقدمها. و يظهر تمثيل الذات من خلال آليات الصور والمشاركات و الفيديوهات وغيرها. وفي هذا السياق سمح التجديد الالكتروني ببناء الهويات الفردية واستعراضها في المجال العمومي. بل ان العالم الافتراضي أصبح مكانا يسمح بتجريب العديد من الهويات وتحقيق الأنا الأعلى و إطلاق مكبوتات الذات الداخلية. ذلك أنّ المجتمعات الافتراضية أصبحت مخبرا للتجريب و الاستكشاف وورشات للهوية. وسمحت بإمكانية تقديم الذات على النحو الذي يريده المستعمل. وهو السلوك الذي قد يتعذر عليه في المجتمع الواقعي. حيث يخفي الفرد نفسه تحت مسميات مختلفة تفصله عن هويته، فيتكئ على إسم مشهور من المشاهير، أو طائر من الطيور وغيرها. ولكن بالنهاية الاستمتاع بخاصية المجهولية تشكل لدى الفرد حياة ثانية. إنّها كما أطلق الصادق رابح:" هوية فنتازمية تسعى إلى القفز على محرمات الهوية الاجتماعية". خاصة أنّ تأثير الشبكات الاجتماعية أعطى دلالات أوسع من الفضاءات الواقعية سواء الاسرية أو المجتمعية. حيث ترتب عن ذلك أنّ المكان أصبح عبارة عن تدفقات وليس مكانا فيزيقيا كما أصبح الزمان على حد قول كاستلز هو اللازمن، إذ لم يعد موصولا بالساعة، إنه آنية تسمح بالحضور في أمكنة متعددة في الآن نفسه. إننا أمام مساءلة حقيقية لذات تتنقل بين عالمين أحدهما افتراضي ممتد في العالمية و آخر حقيقي واقعي يرتبط بالمحلية. وعلى هذا الاساس يبدو التساؤل الملّح اذا ما أنتج المجتمع الشبكي هويات جديدة تتغير وتتصارع من أجل الاعتراف بها في الفضاء العام؟.