عندما يصبح الفضاء الافتراضي بديلا لإيجاد توأم الروح شهادات عن حالات البحث عن شريك العمر في الخفاء تنقلها «الشعب» عندما يفقد المرء الثقة في المحيط الذي يعيش فيه، يفر هاربا إلى عالم موازي خلقته تكنولوجيا معاصرة حصرت الإنسان في بريد إلكتروني و عالم أزرق مفتوح على جميع الاحتمالات، الإبحار فيه مغامرة خطيرة ومقامرة على كل شيء، والزواج أحد الأسباب المهمة التي حولت اهتمام الراغبين فيه إلى هذا الوجود الافتراضي.. سألت “الشعب” عن رأي المواطن الجزائري في الزواج عبر الانترنيت، الذي تقرؤونه في هذا الاستطلاع. «حرقة” عبر الانترنيت؟؟ محمد بن سلمان، 44 سنة، موظف في إحدى المؤسسات الخاصة، سألته “الشعب” عن الزواج عبر الانترنيت فأجاب:« تمكن العالم الافتراضي من احتلال مكانة مهمة في حياتنا حتى أصبحنا لا نرى أنفسنا إلا داخله بكل ما تحمله من معنى، ولعل لجوء البعض إلى هذا العالم للبحث عن شريك حياته خير دليل على ذلك، ولكنه من جهة أخرى يعكس حقيقة مرة هي الفشل الكبير الذي يعرفه الفرد بكل أطيافه في بناء علاقات اجتماعية حقيقية وواقعية بعيدة عما يمليه الخيال من صور يبنيها العقل، كما يتمناها ان تكون على أرض الواقع، وهذا اعتبره أحد التأثيرات السلبية لغياب التواصل في مجتمعنا الذي حصرت علاقاته وأصبحت جافة وقاسية، زادت التكنولوجيا الحديثة من معاناتها ومآسيها.” أضاف محمد قائلا: “رغم أنني في العقد الرابع فأنا أعزب ولأنني لم أجد المرأة المثالية التي أريدها ان تكون زوجتي وأم أولادي، ولكني لم أفكر يوما في اللجوء الى الانترنيت أو الفضاء الازرق ليكون العالم الذي أبحث فيه عن زوجة تلائمني، لأنني كرجل لا أثق في المعلومات التي تكتب فيه، لأن الحياة خلال سنوات طويلة علمتني أن الظاهر غالبا ما يكون مغايرا للواقع، وإذا كان المرء ينخدع من الشخص الذي عاش معه منذ الطفولة، كيف سيكون حاله مع صورة امراة رسمها الخيال وجعلها مثالية، فالخطأ هنا يعني دمار حياة كاملة، بل مأساة حقيقية مع وجود الأطفال، من جهة أخرى أرى في العلاقات التي تبنى عبر الانترنيت خالية من روح السحر الذي نشعر به في العلاقات الواقعية، لذلك فارغة وهشة، متأكد أنها لن تدوم طويلا.” وسيلة عصرية للارتباط سميرة – ش، 30 سنة، أستاذة فلسفة بالعاصمة، قالت عن الموضوع:«إذا خاب أمل المراة في إيجاد الرجل المناسب في العالم الواقعي سيكون العالم الافتراضي خيارها الافضل لايجاده وهناك حالات كثيرة لأزواج تعارفوا عبر الفايسبوك أو مواقع الزواج و هم اليوم يعيشون حياة طبيعية، ولا أرى في الأمر حرجا لأنه من متطلبات الحياة المعاصرة التي غلبت عليها التكنوجيات الحديثة التي حولت عالمنا الواقعي الى افتراضي، بل أصبح عند الكثيرين العالم الذي يعيشون داخله بكل جوارحهم.” كشفت سميرة قائلة: “عندما تتقدم بك السنوات وتشعر مع كل رقم يضاف الى عمرك بأنك تقترب من العنوسة، وعندما تبدأ بسماع كلمة “البايرة” أو التساؤل المستمر عن سبب عزوف الرجال عن التقدم لطلب يدك، تجد نفسك حينها في دوامة كئيبة و حزينة تجعلك تحتقر نفسك لأن مجتمعنا لا يرحم و لا يفهم كلمة “كل شيء بالمكتوب” رغم ترديده لها بصفة دائمة، لذلك من الافضل ان تصلني عروض زواج عبر البريد الالكتروني على البقاء في حالة انتظار دائم للفارس الذي أظنه لن يأتي أبدا دون مبادرة مني”. عن استفسارنا حول ما كتبته في عرض الزواج قالت سميرة إنها حاولت ابراز مميزاتها وصفاتها الجيدة التي تؤهلها الى إثارة اهتمام أحدهم من وراء الشاشة الرقمية كما قامت بمرافقة الطلب بصورتها التي خضعت إلى تحسينات حتى تظهر في أحسن حلة وأجمل وجه، لأنها تريد ان تكون مغامرتها عبر الانترنيت ناجحة وإبحار موفق، وبلا عواقب وخيمة لأنه أولا وأخيرا كل شيء و الاجرءات التعارف هي في العالم الافتراضي أي ان وثيقة السيرة الذاتية التي يكتبها المجتمع ستكون نظيفة ولن تكون هناك امكانية كشف ابن الجيران أو أحد الاقارب لها و لمحاولاتها في ايجاد نصف الآخر. مغامرة خطيرة.. جلال عبد الباقي، 50 سنة، عون أمن، قال عن الزواج الالكتروني:« لم أكن أعرف هذا النوع من الزواج، ولكن عندما أقدم أخي على خطبة فتاة تعرف عليها في الفايسبوك أدركت التحول الرهيب الحاصل في المجتمع، فإن يبني المرء حياته على معلومات لا يدري ان كانت صحيحة أو كاذبة فهذا أمر صعب، فبعد خمسة أشهر من ارتباط أخي الاصغر صرت متيقنا ان الزواج عبر الانترنيت هو تماما مثل “الحرقة” الى المجهول” واستطرد جلال قائلا:« عندما تعرف أخي على زوجته في الفايسبوك كان كل شيء على ما يرام ولكنه عندما تزوجها وجدها شخصا آخر غير التي تعرف عليها في الفضاء الأزرق، بل أكثر من ذلك سببت له الكثير من المشاكل كان آخرها شجار كبير بينهما انتهى بضربها إياه بالكرسي”طابوري” أمام أمي وأبي، والدي منذ تلك الحادثة لا يكلمها ووالدتي حائرة فيما تفعله معها لأنها كما قالت ليست المرأة التي تلائم عادات وأعراف العائلة، كما أنها ليست تلك الفتاة التي عرفناها من خلال كلام أخي الذي تستر على الكثير من الامور فقط ليتزوجها، وهو أمر وضع العائلة كلها في حرج كامل فأينما ذهبت تترك وراءها فضيحة، ما جعل أخي في موقف صعب لأنها ليست المرأة التي تستطيع اعطاء الابناء أي قيمة أخلاقية لأنها لا تملك الإمكانيات المعنوية لتربيتهم بطريقة صحيحة وسليمة.” طلاق .. فزواج عبر الانترنيت حسينة – ق ، 45سنة، مساعدة تربوية بروضة أطفال بفرنسا، متواجدة هذه الايام بأرض الوطن لإتمام ترتيبات زواجها، سألتها “الشعب” عن الزواج عبر الانترنيت فقالت: “لا أرى في الأمر حرجا لأنه طريقة اعتمدتها المجتمعات من أجل مسايرة التقدم التكنولوجي الذي جعل من العالم قرية صغيرة، ولأنه يعطي فرصا أكبر في ايجاد توأم الروح الذي طالما كان هاجس كل رجل و كل امراة تحلم بحياة زوجية مثالية، فهو مجرد صورة مطورة لعروض الزواج التي كنا نقرأها في مختلف الجرائد ولكنها أسرع وأقوى لأنها تسمح للراغب في الزواج الاتصال في أي مكان هو متواجد فيه.” عن زواجها قالت: “تزوجت لسنوات طويلة مع رجل فرنسي أنجبت منه ولدا وبنتا، ولكن عرفت علاقتنا توترا كبيرا لم يواسيني فيها ألا صديق من الجزائر تعرفت عليه عبر الفايسبوك، فعندما كان زوجي يهجرني و يتركني وحيدة مع أبنائي كان حاضرا ليساندي رغم انه كان في الجزائر، حينها أدركت انه لا يوجد رجلا أحن و أحسن من “وليد بلادك” لذلك قررت الطلاق من زوجي الذي رفض و قاوم بكل ما أوتي من قوة لأبقى معه و لكني رفضت، فأنا لا أستطيع البقاء على ذمته وأنا مرتبطة عاطفيا بشخص آخر، ... وبالفعل طلقني و ربحت معركة الحضانة، وأنا اليوم أحضر لزواجي الذي كان العالم الافتراضي سببا فيه.” عن رأي العائلة فيما فعلته قالت حسينة:« رفض والداي طلاقي من زوجي الفرنسي، بل قاطعني أخي بسببه، وقال أنه ترك ديانته حتى يرتبط بي، ولم يخضع لعائلته التي أرغمته على التنازل على إرثه عندما دخل الاسلام، بل وصفني أخي بالخائنة لأنني عرفت زوجي المستقبلي و أنا لاأزال على ذمة زوجي الاول، المهم انني لم استطع استيعاب الطريقة التي يفكرون بها، لأنني لو كنت امراة غير صالحة لما بحثت عن الارتباط الشرعي فأنا أعيش في مجتمع كل شيء فيه مسموح بلا رقيب، ولكني احترمت عائلتي وجئت الى الجزائر فقط لعقد قراني بحضورهم و موافقتهم، ربما ردة فعلهم مرتبطة بالافكار البالية التي تسيطر على مجتمعنا منذ زمن، وهي نفسها التي جعلتني أهاجر إلى فرنسا و استقر هناك”. ضع كل الاحتمالات نصب عينيك يلاحظ كل من يتصفح المواقع الالكترونية إعلانات الزواج التي يكتب فيها الراغب في الارتباط من الجنسين بياناته الشخصية و هواياته التي يفضلها وميزاته، يشترك فيها لعله يظفر بالشريك الذي بحث عنه طويلا في محيطه وعمله و عائلته و في كل مكان يرتاده، ولكن فشل في تحقيق ذلك، لذلك توجه إلى الانترنيت من أجل تحقيق المعجزة و الارتباط مع النصف الثاني. لكن الملاحظ أن العائلة غالبا ما تكون آخر من يعلم بأن التعارف كان الكترونيا لا واقعيا، لأن المواقع الافتراضية لا تلقى الثقة و المصداقية من الجميع خاصة وأنه غير مضبوط وخارج السيطرة، وكثيرا ما سمعنا بقصص كان أبطالها أقارب أو أصدقاء أو أزواج تعارفوا بأسماء مستعارة و لكن ساعة الحقيقة كشفت الكثير من الخداع و من الكذب في استدراج الطرف الآخر ليبني في مخيلته صورة لملاك يمشي فوق الأرض. لذلك يعتبرها البعض بمثابة “حرقة” الكترونية، لأنها إبحار في المجهول غير محمود العواقب، لذلك على الراغب في هذه التجربة أن يكون حذرا و أن يضع الخسارة والفشل كاحتمال قوي فيها، حتى لا يصاب بصدمة في حالة خروجه منها خالي الوفاض.