هل هناك حدود معلومة للكتابة، على الكاتب أن لا يتخطاها، أو أن يأخذها بعين الاعتبار؟ هل يملك فعل الحرية الحق المطلق في قول ما يشتهيه الكاتب؟، نعم. الكاتب كائن حر، لا جدال في ذلك. لكن الأمر ههنا يبدو سهلاً على مستوى الخطاب. وكأن كلمة حرية أو جملة نضعها في أعالي السلم تحل معضلة الكتابة. طبعا لا. الحرية في العالم العربي فعل غير منجز ويحتاج إلى زمن طويل لنقارن أنفسنا بمن انتصر للعقل والحرية مهما كانت الملاحظات التي يمكن أن يبديها أي واحد منا. بمعنى أن الإنسان الذي اختار رهانات الحرية أمام ضميره وخياراته الكتابية، لا يمكنه تصور كتابة فعالة دون حرية. أن يتنفس المبدع داخل الدوائر المهيأة له معناه ببساطة أنه فقط ركيزة الكتابة التي هي أن تكون رواياته أو أشعاره أو غيرها خارج مدارات التوجيه المسبق. طبعاً في المحصلة النهائية هناك محصلة تراجيدية قدرية لا يمكن تفاديها وإلا سيصبح الكاتب مبتذلاً في سوق خردوات قديمة. الكاتب هو من يذهب وراء مشروعه حتى النهاية بكل الرهانات الأدبية والفنية المتداخلة التي اختارها. نجاح النص وتقاطعه مع انشغالات المقروئية هو الرهان الأساسي للكتابة. هذا هو الطبيعي، سوى أننا ننسى في لحظة من اللحظات أننا في مجتمعات غير ديمقراطية، ما تزال تبحث عن خياراتها الحداثية دون أن تتجرأ على الذهاب بعيداً في هز يقينياتها المتوارثة. المواطنة والعدالة وحريات التعبير في العالم من ضرورات الإبداع والحياة أيضاً. لهذا مسألة الكتابة مقرونة بالحرية ليست أمراً سهلاً وبسيطاً لكنه شديد التعقيد ويتجلى ذلك على ثلاثة مستويات متداخلة، ولكل مستوى سلطانه العام والخاص. المؤسسة الأولى، السياسية- الدينية- الاجتماعية. في ظل هيمنتها على مختلف المناحي الثقافية، على الكاتب أن يفك عقدتها لأنها ستقف في طريقه من خلال أجهزتها المختلفة. تتواصل مع بعض وتتقاطع فيما بينها، تجمعها مصلحة المنع والرقابة والحفاظ على الوضع، على ما هو عليه. الرقيب السياسي أو ما نسميه اصطلاحاً السلطة بكل أجهزتها الرقابية المتنوعة التي تمنع كل ما لا يسير وفق خطها وحساباتها أيضاً. كأن النص المنتج سيقلب موازين البلاد. وعلى هذه الكتابة، في المحصلة، أن ترضي الديني المتطرف، حتى لا يقوم ضدها، بسبب قاعدته الواسعة التي ليست دائماً مثقفة، وكثيراً ما تكون صحية أميتها. هذا الثالوث النظام- التطرف الديني- المجتمع، كماشة حقيقية على الكاتب تخطيها بالاصطدام معها أو بالحيلة. يمكننا أن نرى ذلك عن قرب من خلال النصوص التي تصادر في كل وقت، مع أن الزمن تغير كثيراً ولم يعد للمصادرات معنى. هناك مستجدات التحديث التي أوجدت النت ومختلف الوسائل التواصلية السهلة التي أفشلت في النهاية كل الرقابات الممكنة، بما فيها الرقابة الكبيرة للمؤسسات. المواقع التي تحتل الإنترنت تعد بالملايين، وتسيطر على حركية الكتاب. فهي لا تسأل عن الحقوق وشرائها، وسوق الكتاب، وحركته المقننة بين المكتبات. بمجرد حصولها على عينة واحدة من الكتاب، الرواية تحديداً، تطبعه وتنزله في شكل PDF وكأنه ملك لها، وهناك جهات تقرصنه وتنزله إلى السوق علناً أو سراً ولا يستطيع لا الناشر الأصلي، ولا الكاتب، ولا حتى الرقيب فعل أي شيء. يرفع الرقيب أو الناشر أو الكاتب قضية ضد من؟ لا نعرف حتى البلاد التي قرصن فيها الكتاب ولا طريق الحرير الذي قطعه كما تقول الدكتورة زينب الأعوج في مقالتها الأخيرة في جريدة الجمهورية. (النادي الأدبي 19 فبراير 2018) ما في كل الأحوال لا قوة للرقابة الرسمية على منع الكتاب من التداول. مهمة الكاتب في النهاية أن يكتب، وأن ينتج قصصاً وروايات لها محبوها وعشاقها ولا يلتفت إلى فعل الرقيب لأنه له آلياته ونظامه. المشكلة في النهاية ليست مشكلة الكاتب المبدع، لأنه لا قوة تمنعه من الكتابة إلا إرادته وضميره، ولكنها مشكلة الرقيب الذي لم تعد رقابته مجدية في الجوهر. لا طريق في الكتابة إلا الإيمان بفعل الحرية والمسؤولية. وعلى هذا الرقيب الرسمي أو الرمزي، أن يغير من سيرته وطرائق عمله ويختار الطريق الأسلم الذي هو طريق الحرية، ويتم تفعيل القانون، كما في كل المجتمعات الديمقراطية، للفصل في حالات الظلم والتجني التي قد يمارسها كاتب ما ضد أي شخص أو مؤسسة. للكاتب الحق والحرية في الكتابة، ولكن عليه مسؤولية القول.