موعد مسابقة توظيف الأساتذة يُعرف هذا الشهر    تنظيم إقليمي جديد في الجزائر    حل القضيتين الفلسطينية والصحراوية في اطار الشرعية الدولية    بوغالي في قطر للمشاركة في "منتدى الدوحة 2025"    نراهن على صناعة حقيقية للسيّارات    الرئيس يراهن على السياحة    منظمات وجمعيات إسبانية تطالب مدريد بتحمّل المسؤولية    نحن بالمرصاد للفتاوى الدخيلة    إحياء ذكرى المحرقة في الأغواط    الشرطة تفكّك عصابة متاجرة بالكوكايين    جهود حثيثة للتكفل بذوي الهمم وإدماجهم اجتماعياً    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    كلمة رئيس الجمهورية في إفتتاح المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة    تأهل العميد و الكناري واتحاد الجزائر    الخضر يسعون إلى تصحيح المسار    اتفاقية بين ديوان الزكاة وبريد الجزائر    أرحاب تترأس لقاءً تنسيقياً    تراجع في الغابات المتضرّرة بفعل الحرائق    نهاية خائن    قرعة الحجّ الثانية اليوم    الانتقادات لا تقلقني وسنقدم أفضل ما لدينا أمام البحرين    "الخضر" لمحو تعثر السودان وإنعاش آمال التأهل    الجزائر تبدأ المونديال بمواجهة بطل العالم    تصدير 5 آلاف طن من المنتجات الحديدية نحو 3 قارات    حلول عملية لتمكين الفلاحين من تكثيف استثماراتهم    "وول ستريت جورنال" الأمريكية تضع الاحتلال في قفص الاتهام    "الرداء الأبيض"... تفاؤل بموسم فلاحي واعد    أغلفة مالية معتبرة لمشاريع التهيئة الحضرية    السينما فضاء للذّاكرة والالتزام وبناء الإنسان    وضع ضمانات صريحة لصون الحياة الخاصة للمواطن    ثقافة الدفع الإلكتروني في التعاملات المالية حتمية لابد منها    الحماية المدنية تتدخل عبر عدة ولايات بسبب التقلبات الجوية وتدعو لليقظة والحذر    وزيرة التضامن تطلق من باتنة الحملة الوطنية لتوزيع التجهيزات لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة    تاشريفت: حماية الذاكرة الوطنية واجب أخلاقي والتزام قانوني    معسكر تحتضن الطبعة الأولى من ملتقى "الأمير عبد القادر" لعمداء ورواد الكشافة الإسلامية الجزائرية    وزارة الشؤون الدينية تشدّد الرقابة على الفتوى وتحمي المرجعية الدينية الوطنية    واضح: مؤتمر إفريقيا للمؤسسات الناشئة أصبح موعداً قارياً لا غنى عنه للابتكار    ختام زيارة لوكاشينكو إلى الجزائر بتوقيع اتفاقيات تعزز التعاون الثنائي    بداية متعثّرة للخضر في كأس العرب    1515 مكالمة    برايك يثمّن قرار الرئيس    عشرات آلاف المرضى بحاجة للإجلاء الطبي العاجل    "المفتاح" لشريف عياد في دورة القاهرة    مهرجان البحر الأحمر يُكرم رشيد بوشارب    استجابة كبيرة لحملة تلقيح الأطفال ضد الشلل بقسنطينة    الرئيس تبون يخصّص 2000 دفتر حجّ إضافي للمسنّين    جلسة حوارية : الفن الإفريقي المعاصر بين الاعتراف الدولي والتحديات المحلية    أقلام واعدة : تظاهرة ثقافية أدبية موجهة للأطفال والشباب    مستغل من طرف دوائر معادية لضرب الجزائر : انشقاقات واسعة في تنظيم "ماك" الإرهابي    أكاديميون يشيدون بمآثر الأمير عبد القادر    الرئيس تبون يعزي عائلة العلامة طاهر عثمان باوتشي    الخطوط الجوية الجزائرية تصبح الناقل الرسمي للمنتخب الوطني في جميع الاستحقاقات الكروية    قسنطينة تهيمن على نتائج مسابقة "الريشة البرية" الوطنية لاختيار أحسن طائر حسون    فتاوى    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    هذه أضعف صور الإيمان..    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين جون ديوي و ملفيل ديوي..
حديث المكتبات
نشر في الجمهورية يوم 05 - 03 - 2018

مُحيّرٌ أمر ديوي، مضى قرن و نصف قرن و لا يزال كما كان في الأوساط الثقافية لدينا، مجرد اسم مغمور يغطي عليه اسم آخر. هناك بين الخطوط المتشكلة في المخيال العام الجزائري و ما يضمره هذا الاسم، يرتكن ديوي في الهامش ويموت أكثر من مرة. فكلّما دار الحديث عن شخصية ديوي إلا وقاطعني الكثيرون، هل تقصدين جون ديوي؟.
شيء ما في صخب الحديث كان يمنحني نوعا من الامتعاض و الاعتراض و الارتباك. "جون ديوي.. جون ديوي..جون ديوي.. مرة أخرى". كنت أردد في قرارة أعماقي. وكانت تصيبني حمية متطرفة إزاء اللبس الذي ينطوي عليه الحديث. ربما هو الانتماء الى كوكبة المكتبات يجعلني اتساءل لم كلّ هذا التجاهل في حق المكتبي الأمريكي ملفيل ديوي(1851- 1931)، صاحب أشهر تصنيف للمكتبات والذي لايزال يستعمل لحد الان في أكبر مكتبات العالم.
إنّ أية مقارنة بين الرجلين غير مطروحة أساسا. فكلّ طائر قد أبدع في عشه. و الحقيقة ليس لدي ما أضيفه حول شخص جون ديوي(1859- 1952) فهو بحق قامة فارهة في الفلسفة و التعليم و تكاد تأسرني تمثلاته حينما يربط الفكرة بآثارها في فلسفته البراغماتية القائمة على أنّ الفكرة تكون صوابا متى ترتب عليها نفع أو مصلحة وخاصة حينما طبقها في التعليم. إنها فلسفة تتطلع للمستقبل و تنسى الماضي. ولكنّ ملفيل ديوي أيضا رجل حملت تجربته مذاق الخصوصية و التفرد. أقف متأملة كلّ هذه الارقام المعيارية المركبة التي جمعها من شذرات تصانيف العلوم. إنّها لغة أخرى تتخفى وراءها حلبة الكوريدا بكلّ ما تتضمنه المعرفة من صنوف و طبوع و دهاليز أوجدها ملفل لإتاحة المعرفة للطلبة و الأساتذة و الباحثين.
و لنعد الى بداية الحكاية.. نترقب خطى ملفل ديوي.. حينما أراد أن يلتقط المعرفة بكف و يبسطها للعالم بكف آخر.. ولعلّ مكتبة جامعة أمهرست كانت الحجر الذي شق كلّ الطرق، حينما لاحظ ملفل أنّ المعرفة ليست مصنفة على النحو الأمثل في المكتبات بالولايات المتحدة الأمريكية. إنّ نظام الموضع الثابت أسهم في ضياع الكثير من الوقت والجهد والمال. حينها أعطى ملفيل جرعة جديدة للخيال .. و مازج فيه ما درسه حول تصنيفات المعرفة عبر التاريخ.. من تصنيف أفلاطون للمعرفة الى تصنيف أرسطو، و من توما الأكويني الى لائحة المعارف البشرية لفرانسيس بيكون إلى تصنيف أمبير ثم هاريس. وعند العرب والمسلمين، كان جابر بن حيان والفارابي و ابن سينا و إخوان الصفا و بن خلدون و طاش كبرى زادة وحاجي خليفة و غيرهم. بيد أنّ ابن النديم و مقالاته العشرة كان لها الوقع الطيب في تفكير ملفل ديوي. إنّ الرقم 10 كان اكسير الحياة بالنسبة لملفل.. حتى يوم ولادته كان يحمل ذات الرقم. و إذ ذاك كلّ شيء في فكر ديوي أصبح يلتف حول العشرة. فقام بترتيب شجرة في ذهنه على أن يكون جذرها هو المعرفة البشرية ويتفرع منها عشرة غصون يمثل كل منهم معرفة معينة وكل غصن يتفرع منه عروق عشرة وكل عرق يناقش تقسيما خاصا بموضوع. و شيئا فشيئا اتضحت الصورة اكثر لديوي حيث استندت تقسيماته على تطور فكر الإنسان. فجاءت التصنيفات تباعا معبرة في نظره على مراحل نضج البشرية. بدأ الانسان في التفكير في ذاته و ماهيته فجاءت الفلسفة، هداه تفكيره الى أنّ وجوده على الارض مسير من خالق فجاءت الديانات، ولمّا كان الانسان مدنيا بطبيعته كان لا بد من العيش في جماعات، حيث نشأت الاسرة والعشيرة فكانت العلوم الاجتماعية. ثم أدّت الحياة مع الجماعة الى ضرورة وجود وسيلة للاتصال والتفاهم فكانت اللغة. حينها اخذ الانسان في ملاحظة الحياة حوله و ما ينجر عنها من ظواهر طبيعية فكانت العلوم الطبيعية. بعدها بدأ الانسان في تسخير الظواهر الطبيعية لفائدته فكانت العلوم التطبيقية. و عندما بان للإنسان أن يؤنس وحشته حينما كان مضطرا للبقاء في ركنه جاءت الفنون الجميلة والتي طورت حسّه الأدبي ما جعله يعبر عن أحاسيسه من خلال الآداب. وقتها فقط تباينت نزعات الانسان لنشر أفكاره و طموحاته و الخروج من حيز المكان فجاءت الجغرافيا. ثم جمع ديوي كلّ ما تبقى من معارف في قسم آخر أسماه بالمعارف العامة. و كلّ هذه التقسيمات جاءت مرقمة من 000 إلى999.
لقد كانت لديوي إيحاءاته التي وجد فيها النور.. و عرف فوق ما عرف أنّ المعرفة هي أسلوب حياة، فأخصبت حياته الكتب.. إنّ جمهور الباحثين مدين لملفل ديوي.. لقد جعل من المكتبات علما قائما بذاته، و حتى بعد وفاته بقيت خطة تصنيفه مرنة مواتية لتطورات العصر. ذلك أنّها اشتملت على الكثير من الأرقام الشاغرة غير المستعملة و قد بقيت كذلك لضمان أيّ معرفة جديدة. و في زمن التكنلوجيا، تحولت العديد من المكتبات الى استخدام الطبعة الالكترونية من تصنيفه العشري. بسبب سهولة الاستخدام و سرعة التحديث. وصدرت طبعاته الأخيرة بنسختين احداهما تقليدية والأخرى إلكترونية.
إنّ الحياة لم ولن تتجمد أبدا في بوتقة واحدة.. و عليه فالارتقاء الانساني في أساسه معادلة منطقية.. ماذا بعد ديوي و ماذا بعد العصر الرقمي؟ ما بعد المكتبة التقليدية؟ ما ملامح المكتبات في المستقبل؟ و هل اخترقت التكنلوجيا معالم وقيم االمكتبة؟ هل تحولت المكتبات الى مكان لإنتاج المعرفة بدل أن تكون فضاءا لاستهلاكها.. أسئلة و أخرى يبقى الحديث فيها رهين بما ستفضي إليه منصات الاستضافة السحابية.. ولنا في هذا الباب أحاديث أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.