يدخل المساء باردا في ذلك اليوم الذي ما زلت أتذكره في ذاكرتي الثرثارة ...! تلك القاعة تختنق بالازدحام من الأجسام الممتلئة الجالسة على الكراسي الخشبية، في انتظار البطل الذي تتبعه بقعة الضوء الكاشفة لظلمة المكان، هاهو البطل يظهر وكأنه خرج من عين حمئه . بضع دقائق ويسدل الستار على عراء العرائس بحركاتها الملتوية في اتجاه الريح في الأسفل، وشغف الخيوط المعلقة بأصابع تحجبها (الأكزيما) والمدهونة بالكريم . يؤدي دوره ببراعة شديدة البطل الذي يجيد قراءة النص من الرقصات الصامتة والمنبعثة من أنامله . الخشبة التي قوامها اذرع الخيزران تميل.. وتميل ثم تتمايل للتصفيقات ، والنظرات السافرة ولا تسقط أبدا...بحركاتها الورقية وجسدها من القش البالي والمزين بأشرطة باهتة اللون ..وأعضائها المتصلة بخيوط سوداء لا ترى من عتمة المشهد والخلفية . الجمهور الجالس يرمي ببقايا الفشار المتبقي والأكياس. ينظر إليهم وهو فوق رؤوسها يداعب خشبة العرائس . يتأسف على تلك العرائس لأنها بدت بلا روح تحركها أنامل للرقص. ذات يوم سمعت أن البطل قرر الانتحار بخيوط القشة الخاوية ..حتى أصبح المشهد يعاد في كل مرة،وبقيت العرائس فيها تساوم على زمن العرض !!.