يشكل حفل الزفاف بتفاصيله وطقوسه الخاصة لحظات تاريخية لا تقدر بثمن بالنسبة لكل اثنين وصلا إلى لحظة البداية في مشوار الزواج، حيث لا يمر يوم الزفاف إلا بسلسلة من العادات والتقاليد التي يبقى طعمها في الذاكرة. تصنع مراسيم الأعراس بتنوعها كوكتالا من المشاهد الشخصية والعائلية والاجتماعية التي تعكس الوجه التراثي والثقافي، بوصفها حدثا يتوزع بين جملة من العادات والتقاليد، ورموز تطبع كل بلد وتبرز خصوصية كل منطقة، إلا أن هذا لا ينفي تسلل بعض الطقوس الدخيلة إلى حفلات الزفاف التي صارت تحمل بصمات عالمية في العديد من المجتمعات، وفي المجتمع الجزائري تترجم طقوس الزواج الخصوصيات، كما تعكس في نفس الوقت أفكارا مستوردة. فساتين "التصديرة" هي أهم ما تتألق به العروس يوم عرسها، فرغم تدهور المستوى المعيشي إلا أن إطلالة العروس بالأزياء التقليدية والعصرية تبقى ترتيبا أساسيا من ترتيبات يوم العرس.. وتختلف الأزياء التي ترتديها العروس من منطقة إلى أخرى، كما تتنوع حسب ذوق العرائس، لكن يظل الفستان الأبيض الذي ترتديه في الأخير لاستقبال زوجها القاسم المشترك الذي يكتمل به عرس كل فتاة عند مغادرة بيت أهلها، ومعه الطرحة التي تغطي وجهها إلى حين أن يكشف عنه العريس لحظة اللقاء، والواقع أن الفستان الأبيض الذي يرمز إلى الطهارة يترجم موضة تسللت إلينا من الغرب بفعل التبادل التجاري والثقافي. باقة الزهور صارت هي الأخرى من الطقوس التي لا تسقط في حفلات الزفاف، حيث أن وجودها أساسي، ويضفي لمسات جمالية على مشهد اللقاء السعيد، كما ترافق باقة الزهور التي ترمز إلى التجديد كربيع الطبيعة يد العروس ولا تفارقها إلى حين ارتداء الفستان الأبيض، ومنه يأتي موعد رميها للمدعوات، إذ تتنافس الشابات العازبات على التقاطها، لأن الاعتقاد السائد يقول إن الفتاة التي تلتقطها ستتزوج حتما بعد مدة معينة. والواقع أن أشياء عدة تعود للعروس تدخل حلبة المنافسة، منها حذاؤها أو مكان جلوسها، الذي تتسابق الفتيات العازبات على الجلوس فيه على أساس أن أول من تجلس فيه تتزوج بعد أيام قلائل كما يحلو للبعض أن يعتقد. المحبس.. رمز الأصالة ومن المعتاد أيضا في حفلات الزفاف أن يضع العريس المحبس أو خاتم الزواج في يد زوجته اليسرى، وبالضبط في البنصر تبعا لاعتقاد سائد مفاده أن لهذا الإصبع ارتباطا مباشرا مع قلب الإنسان، إذ يشتريه من ماله الخاص، ويكون من معدن الذهب الذي يرمز إلى الأصالة التي لا تتغير رغم قساوة الحياة، أما شكله الدائري فيرمز إلى الحب الأبدي، حيث تلتقي نقطة البداية مع نقطة النهاية، ويقال إن الحكمة من وضع المحبس في يد العروس تتمثل في إعلان العريس عن الارتباط بالفتاة التي أرادها شريكة لحياته بخاتم رسمي يبعد عنها أطماع الرجال الآخرين. وحسب الأعراف لا تخرج العروس من بيت أهلها إلا بعد أن تمر تحت ذراع والدها، وفي ذلك إشارة إلى أن العروس خرجت من عصمة والدها لتصبح في عصمة زوجها، وبعد أن تركب العروس السيارة الفاخرة المزينة بالأزهار لتتجه نحو بيتها الجديد، تجد في استقبالها حماتها التي تطعمها بالعسل أو السكر أو الحلوى، أملا في أن تكون أيامها متأرجحة على إيقاع حياة حلوى. وفي قاموس التراث مراسيم خالصة لم تحجبها روح العصرنة والانفتاح، ففي ولاية عين الدفلى تخرج الفتاة من بيت والدها ببرنوس "الستر" كما يسمى محليا، ومن العادات الشائعة في هذه المنطقة أن يكون تنقل العروس من بيت أهلها إلى بيت الزوجية مرهونا بتمكن أهلها من كسر زجاجة توضع عن بعد بالبندقية، أما في برج بوعريريج فتتميز العروس بالحلي الفضية المسماة محليا ب"أفزيم" أو "الخلالة"، التي تضعها في أعلى الثياب للدلالة على أنها متزوجة، كما يمثل "أفزيم" في منطقة القبائل هدية العرسان للعرائس. وفي مسيلة يطبع الكرم والتآزر عادات الأعراس وتقاليدها، فبمجرد إعلان الخطبة يتولى أهل العريس إعداد العشاء بعد ذبح عدد من النعاج قد يصل إلى 50 نعجة بالنسبة للعائلات المقتدرة ماليا، كما قد يتحصل عليها أهل العروس كهدية. كسر البيض فأل خير وتشترط العادات على العروس المسيلية أن تمكث في بيت أهل العريس مدة شهرين قبل أن تنتقل إلى المسكن المستقل إن وجد، علما أن أم العريس تستقبلها ب"لمبرم" وهو فتات ممزوج بعسل النحل، ماء الزهر والدهن، في إشارة إلى استقبالها بالحب والود، في حين تغطس العروس لحظة وصولها أصبعها في فنجان يحتوي على دهن لتمسح به الباب ثم تكسر بعدها حبة بيض، باعتبار ذلك فأل خير قد يصحب معه العطاء والحب، أما في اليوم السابع من العرس تقوم العروس بأول زيارة لبيت أهلها، وتعود في المساء حاملة العشاء لأهل الزوج، والذي يتمثل عادة في طبق الكسكسي. وتعلن العروس في معسكر عن مغادرة بيت الأهل من خلال وضع الحناء والبيض تحت قدمها. ومن خصوصيات حفلات الزفاف في هذه الولاية أن ترتدي العروس لباس "الشدة" التقليدي بعد التصديرة، وتضع حزام حماتها لترمي المكسرات والحلوى أمام المدعوين تفاؤلا بالأيام الملاح، وفضلا عن ذلك تحمل طفلا بين ذراعيها أملا في الإنجاب، وجرت العادة أيضا أن تأكل العروس في معسكر قلب الكبش الممزوج بالسكر والملح بمفردها، والسر في ذلك هو أن السكر يمثل الأيام الطيبة، أما الملح فدلالة على الصداقة بين العروس وأهل زوجها.