من بعد ما شاختْ الأيام على أرضنا الممزقة و منذ أخر النكبات لم يبقَ من هويتنا أكثر من ملامح باهتة ... عندما تموت الأغنية في الشرق و تُفرغ منها الروح و الكلمة و النغم , أصبحنا نعود إلى ماضينا ونستنشق من جديد عبق الزمن الجميل ... شددتُ له عام 2013 و أنا أسمع صدفة : " جثم الكهّان على بلدي" للفنان التونسي الشاب المقيم بروما : مروان سامر , عجبتُ لروحي التي استقطبها لحن العود الذي ما أقنعني به أحد بعد نصير شمّة و مارسيل خليفة ... عدتُ لأبحث عمنّ يدندن بأنامله وجع الأمة و يبكي وطنه تونس ببلاغة أصيلة إلى أن شاء القدر ليجمعنا ذات أمسية و وجدتُ نفسي يومها أمام إنسان حالم على الدّوام، عاشق للإنسانية وباحث عن الحب الحياة ، مخضرم في حياته و أفكاره، تسكنه الاماكن و العواصم، طيب إلى حدود الذوبان. تربى في أسرة متوسطة الحال و عشق الفن منذ الصّغر واستطاع بذلك التعرف على انماط وألوان موسيقية مختلفة التوجه و الميولات ... يقول مروان: ''استمعت الموسيقى العربية الكلاسيكية، الطرب العربي القديم، الاغاني الريفية، الموسيقى الملتزمة، كذلك الموسيقى العراقية التي نشأت على سماعها واستحسنتها كثيرا، الموسيقى التونسية، الموسيقى الجزائرية بكل ألوانها، هذا إلى جانب الموسيقى الغربية و موسيقى العالم ككل. بدأت خطواتي الأولى و محاولاتي في العزف و الغناء وكان عمري 7 سنوات و ضللت على هذه الحال أجتهد إلى حين التحقت بالمعهد الموسيقي، كان أولا المعهد الرّشيدي للموسيقى ثمّ المعهد العالي للموسيقى إلى جانب دورات تكوينية أخرى في أوروبا.''
و بالرغم من أن أسماءً كبيرة برزت بذات الفن الذي قدمه مروان سامر , الفن الذي أقدّمه روّاد كثر وكذلك مبدعين كثر تميّزوا و ما زالوا يتميّزون في هذا اللون أو لنقل هذا النهج الموسيقي الذي غايته الفن البعيد عن السمسرة و المتاجرة ، ولا سيّما في هذه الظروف التي نعيشها في هذه الفترة نحن في حاجة إلى مثل هذه الأعمال. يقول أن له بطاقة هوية فنية مختلفة و خاصة به و الذي يقدّمه هو ما يحسّ به في داخلي و ما يشعر به من حوله وهو بالتّالي عصارة البيئة و النشأة وكل الظروف الخاصّة التي مرّ بها و المدارس التي استمع اليها و تأثر بها كثيرا في تجنب القيود و الحواجز في أعماله الفنية، ففي حالة التلحين مثلا تراه يبتعد تماما عن كل ما هو طابع أو قالب ممنهج و جاهز بل يستقرئ النص الشعري الذي أمامه و يستجلي بباطنه و صوره المكنونة ويجعله هو الذي يتكلم بجمل موسيقية دون أن يسقط في اللحن الجاهز و الأفكار المسبقة , فقد لحن القصيدة الكلاسكية لشعراء كالسياب، الجواهري، مانع سعيد العتيبة، محمّد الهادي الجزيري، سلوى الفندري...كما تعامل مع العامّية في عديد المناسبات إلى جانب الفرنسية و الايطالية خاصّة في بعض التجارب التي خضتها كموسيقى الراي و الفولكلور... بدأ مرحلة التلفزيون و الاذاعة و الصحافة و كان عمري 17 سنة تقريبا و يذكر و هو يبتسم بحنين أول قصيدة سجلها في الاستوديو كان بعنوان " المزيد " للشاعرة التونسية الراحلة سلوى الفندري. يقول : '' أذكر أنها لاقت استحسان جيد من الناس لا سيما أساتذتي في الموسيقى لدرجة أن الملحن العراقي الكبير" فاروق هلال"... قال لي حين سمعها: " أنتَ مشروع ملحن ناضج". وبعد أن قدّمت عمل ثنائي مع مغني الرّاب الايطالي ﴿ فارسو ﴾ إعتبرني البعض و خاصّة الموسيقيين العرب المقيمين في روما حلقة بين القديم و الحديث وحقيقة يسعدني هذا التصنيف''. يتبع