خصص المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة في طبعته التاسعة، تكريما مميزا أول أمس الاثنين بقاعة ابن زيدون، لسيدة الأغنية الجزائرية المطربة سلوى، التي كرست جزءا كبيرا من حياتها للسمو بفن الغناء عبر صوتها وتحكمها وأناقتها، حتى أصبحت ممثلة وسفيرة للثقافة الجزائرية بامتياز. وشهد التكريم فقرة أندلسية متنوعة قدمتها المطربة نرجس رفقة إيمان سهير ونسرين غنيم حيث أدين باقة من الأغاني التي اشتهرت بها سلوى على مر مسيرتها الفنية الحافلة مثل «الحب راه فناني» و»يا الواحد خالق العباد سلطاني» و»زارني المليح وحده». ولدت لميتي فطومة الشهيرة بسلوى، سنة 1941 ببوزريعة بالجزائر العاصمة، حيث ترعرعت وتربت على الذوق الفني الراقي من خلال تشجيع جدتها لأمها لها مما مكنها من أن تتحلى بشغف فني كبير، جعلها تخوض تجربة في حصص موجهة للأطفال على أمواج إذاعة الجزائر، كما تلقت تعليما تقليديا على يد الشيخ قويدر المفتي، والشيخ عبد الباقي. واعتمادا على موهبتها الكبيرة، حاولت سلوى تجريب حضها بإذاعة باريس، أين نشطت حصة جديدة بالعربية، مخصصة للمرأة الجزائرية، بعد ذلك غنت أغنيتين الأولى كتبها محمد الجاموسي والثانية ككنو دباز ثم سجلت أغنية تكريما لملك المغرب محمد الخامس، عقب لقائها بعمراوي ميسوم سنة 1960، كتبها الحبيب حشلاف ولحنها عمراوي ميسوم. بعد هذا النجاح الكبير الذي حققته، غادرت سلوى الإذاعة لتتخصص في الغناء، ففي سنة 1963، شاركت في العديد من الجولات الفنية الوطنية والدولية، وفي الأسابيع الثقافية عبر الدول الشقيقة والصديقة. وسلوى هو الاسم الفني الذي أعطاه إياها محمد الطاهر فضلاء، وفي سنة 1966، تحصلت على الأوسكار للطبعة الأولى لمهرجان الأغنية الجزائرية، عندما أدت أغنية لحنها لها محبوب سفر باتي. وبفضل تشجيعات زوجها، قائد الجوق الشهير بوجمية مرزاق (1932/1985)، وسيدة الغناء الجزائري فضيلة الدزيرية (1917/1970)، توجهت إلى الغناء الكلاسيكي الجزائري واشتقاقاته، مثل الحوزي والعروبي. طلبت نصيحة من عند المسؤول الفني للإذاعة الجزائرية المعروف مصطفى كشكول، الذي وجهها نحو الشيخ الحاج عبد الكريم دالي، هذا الأخير علمها كل مبادئ وتقنيات مطرب الغناء الكلاسيكي الأندلسي (النوبة) واشتقاقاتها. وبفضل إرادتها القوية وإمكانياتها الفنية الكبيرة، سوف تبرهن في هذا الطابع وتتمثله من خلال الاستماع إلى دحمان بن عاشور، محمد خزناجي، ومطربين كبار لهذا الطبع، فصالت وجالت في العالم العربي، أوربا زيادة على كل أرجاء التراب الوطني. وفي هيكلة الموسيقى الأندلسية، اختارت أداء مقتطفات واسعة من نوبات المزموم، الديل، رصد الديل، سيكا ورمل ماية وعدة نوبات سجلت تحت قيادة المايسترو مصطفى اسكندراني. برعت في أداء طبع الحوزي والعروبي، لأكبر شعراء القرون 16، 17، 18 ميلادي منهم المصمودي ومحمد وبومدين بن سهلة، محمد ابن مسايب، والشاعر بن عمار. كما تعاونت سلوى مع أغلب شعراء وكتاب كلمات وملحنين جزائريين وأجانب منهم على الخصوص، مغاربة، تونسيين، سوريين، عراقيين، قطريين وكويتيين، وأنتجت ما يقارب ثلاثمائة عمل غنائي تم الاحتفاظ بها في المكتبة الغنائية المركزية للإذاعة الجزائرية. تلقت سلوى على التاج الذهبي من لدن وزيرة الثقافة غداة الطبعة 21 من المهرجان الدولي لتيمقاد المنظم في جويلية 2006. يذكر أن الفرقة البرتغالية «سيلينا دا بييداد كوارتيت» بقيادة المغنية وعازفة الأكورديون «سيلينا دا بييداد» قد افتتحت السهرة بتقديم مجموعة من الأغاني التراثية مثل «أندورينهيا» و»سيتوبال» و»بيرا فيردي». كما أطربت الفرقة السورية الحلبية «شيوخ سلاطين الطرب» جمهور ابن زيدون بموشحات وقدودها الحلبية، المستمدة من عمق التراث السوري، والتي حفظها الجزائريون قبل اليوم، مثل «يا مال الشام»، و»قدك المياس». وتستمر فعاليات مهرجان الجزائر الدولي ال9 للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة إلى غاية 29 من الشهر الجاري.