ظل يقلب بصره في الحديقة التي رآها غريبة، كراسيها وأشجارها وأعمدة كهربائها وممراتها وحتى حيواناتها وطيورها، تمشى لحظات عند النافورة يتأملها ويفرك عينيه مادا بصره إلى كل الاتجاهات، يردد بينه وبين نفسه: -كل شيء محير، محير فعلا، أين أنا؟ وما الذي حدث؟ يعيد النظر فيما حوله، يفتح عينيه عن آخرهما، يفركهما، يسدهما بكفيه يبحث عن الكراسي يجدها مقلوبة، ينادي بصوت مرتفع. -رفيقي أين أنت؟ أين أنت يا رفيقي؟ الوحشة تقتلني، أين أنت؟ ما هذا العالم؟ ماذا يقع ؟ أنقذني ؟ هل جننت؟ أم العالم جن ؟ يخطو بسرعة في حيرة من أمره، ينظر بدقة إلى كل شيء. لعل رفيقي مسخ خلقا آخر، ربما هو الآن كرسي، أو شجرة، أو حتى طائر. يصمت لحظات متأملا. -صحيح طائر، لن يكون إلا لقلقا، مادام طويلا ونحيفا يليق به اللقلق. يضحك بسخرية، ثم يصمت فعلا، كمن يفكر بحيرة. -وأنا؟ هل أنا كما كنت؟ يلمس جسده وينظر فيه. -أنا بخير بخير، ليت ذلك الأحمق أسرع بالحضور ليكون مرآتي، ولكن... يسمع وقع أقدام، ينصت لحظات، يمد بصره بين الأشجار، يظهر رفيقه، يتنفس الصعداء. -الحمد لله، لم يتغير فيه شيء، الحمد لله. يتصافحان بحرارة، يقول الأول. -الحمد لله أنك كما كنت. -ماذا قلت؟ يغير كلامه مضطربا. -لا شيء، لا شيء، أريد أن أسألك عني. -تفضل، ما سؤالك؟ ينظر إلى نفسه وإلى رفيقه، ثم يجول ببصره في الأرجاء ولا ينطق، يقاطعه رفيقه بالسؤال: -هل تعرف يا رفيقي؟ -ما أعرف؟ -قلبي يدق. -وهل قلبي متوقف؟ -أعرف، لكن دقات قلبي مختلفة. -لم؟ -لأنها دقات عاشق. يقترب منه، يتأمله جيدا، يسأل وهو يرنو إلى عينيه. -صدقت في عينيك عشق. -أحلم أن آكل حبيبتي. يقفز مبتعدا صائحا، وقد تملكه الفزع، يجثو متفحصا صديقه في ريبة، يبتلع ريقه بخوف، ويقول: -هل ألمس قلبك؟ -طبعا طبعا، تفضل تفضل. يتقدم منه ويعري له عن ركبته كي يلمسها، يسأله رفيقه بدهشة. -ماهذا؟ -ألا تريد أن تلمس قلبي؟ -أين قلبك؟ -في ركبتي اليمنى. يعيد تغطية ركبته ضاحكا بسخرية: -آه نسيت يا رفيقي نسيت، كل شيء تحول، أنت مازلت قديما، لقد حولت قلبي إلى ركبتي اليمني، وفي ركبتي اليسرى وضعت مخي. -مخك مخ.. ك في... ينهار على الأرض. -طبعا، أضفت كل مساحة صدري لمعدتي. -وجمجمتك؟ -تركتها فارغة، حتى أتمكن من الطيران، انظر، انظر . يطير أمامه إلى الأعلى، ينظر إليه بدهشة. -لقد طار، لقد طار. يتهاوى مغمى عليه.