يمكن تعريف قانون الدولة القومية لليهود الذي صادق عليه مؤخرا الكنيست في الكيان الصهيوني , أنه أرضية قانونية لكل التشريعات العنصرية التي تبنتها حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة خلال العقود السبعة الماضية لتكريس سياسة الميز العنصري التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ,و حقه في تقرير مصيره, و إقامة دولته المستقلة , و عاصمتها مدينة القدسالمحتلة . لقد احتفل تحالف الأحزاب اليمينية الصهيونية بتمرير القانون المذكور بأغلبية 62 صوتا مؤيدا مقابل 55 صوتا معارضا و امتناع صوتين , كونه يمنح الكيان الصهيوني أداة تشريعية أساسية تسد الفراغ القانوني في هذا المجال لافتقار الكيان إلى دستور و اعتماده منذ زرعه في الأرض الفلسطينية على ما يسمى بوثيقة *إعلان الاستقلال* التي تُعرِّف الكيان الصهيوني *بالدولة اليهودية و الديمقراطية *؟ غير أن هذا التعريف لا يخدم أهداف تحالف اليمين الحاكم في الكيان الصهيوني الرامية إلى جعل الحق في تقرير المصير في فلسطين من البحر إلى النهر حصريا في اليهود دون غيرهم - كما هي حال *قانون الدولة اليهودية*- حتى و لو تم ذلك على حساب *الأقليات* من أصحاب الأرض الأصليين . و هو ما يدفن *نهائيا* الديمقراطية و يشرعن الميز العنصري و يضرب بعرض الحائط , الحق التاريخي والديني والحضاري للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده على أرضه وفي وطنه، و يرمي وراء ظهره * كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ابتداء من القرار (181) و (194) و(242) و(338)، مرورا بعشرات القرارات المماثلة ، وانتهاء بقرار (2334)، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي نهاية العام 2016، والذي جدَّد مطالبة إسرائيل بالتوقف الفوري والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينيةالمحتلة بما فيها القدس الشرقية، واعتبارها غير مشروعة وغير قانونية*. غير أن قانون الدولة اليهودية يشطب كل هذه القرارات التي عجز المجتمع الدولي عن تطبيقها, ليمنح قاعدة قانونية للأمر الواقع على الأرض, بإعلان مدينة القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني , و شرعنة الواقع وتلغيم المستقبل بتكريس اللغة العبرية اللغة الرسمية الوحيدة لدولته (لقد رفض الكنيست مؤخرا ,استقالة أحد أعضائه, احتجاجا على هذا القانون العنصري , بحجة أن طلب الاستقالة لم يحرر بالعبرية) ، و بجعل عمليات *تطوير مستوطنات خاصة باليهود من المهام الوطنية التي على الدولة واجب تشجيعها و تقويتها* مما يدفع بالكيان الصهيوني إلى مستنقع الطائفية الدينية التي لا تقصي العرب وحدهم و إنما جميع الطوائف الأخرى العلمانية و حتى الدينية المخالفة للديانة اليهودية و للإيديولوجية الصهيونية . و لأن هذا المستنقع موجود بالفعل على أرض الواقع , فإن صدور قانون القومية اليهودية يعتبره البعض خطوة شكلية غير أنها خطوة خطيرة تعيد الصراع العربي مع الكيان الصهيوني إلى المربع الأول, إلى مواجهة بين مشروعين ، أحدهما فلسطيني والثاني صهيوني يهودي.. و هما مشروعان متناقضان في أكثر تفاصيلهما، بل ومتعارضان تماما.. لأن فلسطين في نظر الفلسطينيين هي وطن من البحر إلى النهر، وكل ذرة فيها مقدسة، وهي بالنسبة للصهيونية – اليهودية *أرض إسرائيل* من بحرها إلى نهرها، ولا يجوز التفريط في شبر منها. و بالتالي فإن قانون القومية اليهودية هو بمثابة إعلان رسمي لوفاة عملية المفاوضات الفلسطينية – مع الكيان الصهيوني التي انطلقت منذ العام 1993 فيما عرف باتفاقيات أوسلو والتي تعثرت عبر مسيرتها الطويلة بسبب النية الإسرائيلية المبيتة والسافرة في استغلالها غطاءً لتمرير خططها الاستعمارية في بسط سيطرتها على كل فلسطين التاريخية، الأمر الذي كشف عنه قانون القومية بشكل واضح و مميز لأنه لا يعدو تكييفا للواقع التشريعي مع الواقع السياسي , بل الأصح أنه أزاح أمام السياسيين الصهاينة العوائق القانونية لمواصلة بناء دولتهم العنصرية التي تجعل من الفوارق الإتنية الدينية معيارا للتعامل مع مواطنيها دون أن يكون للقضاء أدنى سلطة للتدخل في قرارات سلطات الاحتلال عندما يتعلق الأمر بتكريس الطابع اليهودي للدولة الصهيونية كقرارت ضم المزيد من الأراضي و المناطق الفلسطينية إلى سلطة الكيان الصهيوني , و قرارات مصادرة الأراضي و فرض الضرائب تجربة جنوب إفريقيا لمواجهة المشروع الصهيوني على الأملاك الوقفية العقارية للديانات غير اليهودية , و قرارات تسمح بطرد الفلسطينيين من القدس الشرقية بهدف تهويد ساكنتها و غيرها من القرارات التي تخلو - مثل قانون القومية - من كلمتي الديمقراطية و المساواة لإنتاج كيان يحظى فيه اليهود بامتيازات المواطنة كلها و تحرم بقية القوميات من أدنى حقوق المواطنة . و بهذا تكون الصهيونية قد اثبتت عجزها عن تجاوز سياسة الانغلاق المحصنة بالجدران العازلة , و فشلها في التحرر من عقدة العامل الديمغرافي الذي لم يجد له سياسيو الكيان الصهيوني سوى القفز عليه بمحاولة تحويل أقلية إلى أغلبية بنص قانوني لن يكون كافيا لشرعنة سرقة وطن ما زال سكانه الأصليون يقاومون لإفشال مخططات مغتصبيه . و لأن قانون القومية اليهودية يهدف إلى إقامة كيان للميز العنصري على أسس إثنية دينية , فإن وسائل مواجهته لن تختلف عن تلك التي وظفها حزب المؤتمر الإفريقي في جنوب إفريقيا لتقويض نظام الأبارتايد باعتماد كل أشكال المقاومة السلمية و القانونية , لاسيما و أن وسائل التواصل بين المناضلين الحقوقيين عبر العالم و تجنيدهم ضد انتهاك حقوق الشعوب , أصبحت أكثر نجاعة بفضل وسائل التواصل الإلكترونية و اتاحتها الفرصة باستعمال كل لغات العالم لعزل العنصريين الجدد في الكيان الصهيوني و منع ظهور الفاشية من جديد في الشرق الأوسط * الذي اللي فيه يكفيه* .