كانت الجزائر ولا زالت، أرضا للتسامح والتعايش بين كل الأديان السماوية، ولا غرابة في ذلك لأن هذه الأرض الطيّبة، قد احتضنت حضارات قديمة، كانت هي أصل البشرية،. فهذه البسيطة شهدت ميلاد الفيلسوف الفذ سانت أوغسطين، وشهدت الفتح الإسلامي على يد الصحابي الجليل عقبة بن نافع، وتوالت عليها وعاشت فيها شخصيات من ثقافات وديانات مختلفة، وكانوا دوما يشيدون بالتسامح الذي كان سائدا فوق تراب الجزائر. فالعيش معا في سلام احتضتنته الجزائر منذ القدم، فحتى إبان فترة الوجود العثماني، كانت هناك أجناس من أصول مختلفة من يهود وغيرهم، كانوا يمارسون طقوسهم الدينية، دون أن ينغص عليهم أحد حياتهم، انطلاقا من مبادئ شريعتنا الإسلامية الغراء، ولعل أروع مثال على التعايش الذي شهدته وما زالت هذه البلاد الاحترام الذي كان يكنه علماؤنا المسلمون لرجال الديانات الأخرى، حيث كانت بينهم مراسلات في مناسبات مختلفة، يهنئون فيها بعضهم البعض، من منطلق الأخوة الإنسانية والإخاء البشري، وأحسن مثال على ذلك ما قام به مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، الأمير عبد القادر الذي كان كلما يأسر الجنود الفرنسيين المحتلين، فإنه يأمر عساكره باحترام حقوقهم الإنسانية وعدم إهانة كرامتهم، بل أن هناك من أمر بإطلاق سراحهم لأسباب أو لأخرى، مبرهنا في ذلك على أن الدين الإسلامي ليس عقيدة للحرب من أجل الحرب، بل هي للتعايش والسلام والدفاع عن النفس والديار إن اقتضى الأمر ذلك. ضف إلى ذلك الموقف المشرف والخالد الذي وقفه الأمير عبد القادر في دمشق الفيحاء، في ما عرف بفتنة الشام، حيث ولما أراد بعض المتشددين قتل مجموعة من المسيحيين السوريين، طلبت هذه الأخيرة اللجوء إلى قصر الأمير عبد القادر، لما عرفوا فيه من كريم الخصال ووفير الحكمة وعمق التبصر، فخرج على المتشددين، بسيفه بأن لا احد يقترب منهم من هؤلاء الإخوة المسيحيين، فأكرم وفادتهم وأدخلهم إلى القصر وحماهم حتى خرج هؤلاء المسيحيون سالمين في أجسادهم وعقيدتهم إلى بيوتهم وأرزاقهم، ولما سئل الأمير عبد القادر، عن جميل صنعه، رد عليهم :* لقد فعلت ذلك بمقتضى الشريعة المحمدية وما تقتضيه الحقوق الإنسانية*. إذن هذا دليل لا يحتاج إلى برهان على سماحة الإسلام وسعيه إلى زرع المصالحة بين الناس، مصداقا لقوله تعالى : * ولا تعتدوا *، وتهاطلت على الأمير أوسمة الاعتراف من كل دول العالم ورسائل التهاني والإشادة والاحترام لشخصه.. والأمثلة كثيرة في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، في الأندلس وبغداد عن التعايش بين مختلف القوميات والأجناس والطوائف، لأنهم كانوا يدركون بأنه مهما اختلفت الديانات فالعيش واحد والأرض واحدة، وهنا يحضرنا قول أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال في قصائده العصماء : *اترك الدين للديان وتفرغ للباقيات الصالحات* ويقصد هنا العمل والعيش والسعي مع كل البشر مع احترام كل واحد منهم للآخر دون غلو ولا تعصب وتجاوز للحدود