بعد ليلة أوبرا رائعة في السعودية في الرابع عشر جوان الفارط بقيادة المايسترو النمساوي « كارل سولاك»، و التي هزت عرش المملكة المحافظة في أول سهرة من نوعها ، أستحضر الموعد الذي جمعني بها قبل ثلاثة أعوام أو أكثر رائدة الأوبرا العربية الأولى ، فنانة بحضور ملكة .. إن غنّت داعبت الملائكة و جمعت صفاء الأديان و غرّدتْ للسلام و الحريّة وللإنسانية جمعاء بلحن مرفوق بقصيدة يجب أن تنتقيها «هبّة القواس « كلمة بكلمة لتأسرنا فنذوب في عوالم من السحر … تتكلم باسم العاشقين ، مأخوذة ببيروت و صيدا و كراكوف . وهبتْ نفسها للسيمفونية أينما كانت فاستحقت أن تكون الفنانة العربية الوحيدة التي غنتّ في مجلس البرلمان الايطالي قبل سنوات قليلة … أذكر كيف أنني اندهشت حين راسلني أحد أصدقائي ببيروت بأسطوانتها « أحبك لأنني أحيا « الصادرة عن شركة روتانا للإنتاج الفني …اندهشتُ بفرحة كيفّ أن من يحملون شرف الاغنية العربية حقا لا يزالون أصواتا شجيّة دافئة مؤثرة وسط العالم الفنيّ الموبوء الذي تعيشه الكلمة و اللحن في وطننا العربيّ الممزق … هبة القواس _لمن لا يعرفها_ أخصائية نفسية و خريجة المعهد العالي للموسيقى ببيروت … وخلف هذه الكاريزما البروفاشيونال هنالك حسناء راقية ، جميلة الكلام ، متواضعة , رهيفة البسمة, تشبه رسالتها الى العالم وتقول : «صوتي السماء» …دردشتُ معها هاربة من ضوضاء الكتابة الى فضاء يحمل الكثير من الصوفية و التأمل و بدأتُ أعتصر من كلماتها الرؤى المدهشة بعد سنوات من العطاء الفني … لا ترى هبة القواس نفسها، بل تحاول أن ترى صوت الكون… هي تلك الأصوات المسافرة التي نلتمس ان تسكننا علّنا نعكس ما حلّ علينا منها… فكل ما سُكنت به من طنين قدّمته للعالم وحملت عالمها العربي والحرف العربي الى العالم. من خصوصية موسيقى وغناء إلى تقنيات التأليف الموسيقي العالمي والغناء الأوبرالي, رحلة شوق غُاصت فيها والتقى من خلالها الشرق والغرب حيث بنيت جسوراً بين العالمين، وان كانت تؤمن بأن الوصل وحده مع المطلق الحق، هو القادر على ملء القلب والروح بموسيقى لا تنتهي. صيدا مدينتها الأم حاضرة في حياتها اليوم و هي سيدة السفر بامتياز , هي المكان الذي منه بدأت رحلتها الأولى منه,عاصمة الفينيقيين التي ورثت منها لحظة ولادتها ، لاوعيها الجماعي وتاريخها العريق، هي الطيبة وأمان السماء، زهر الليمون والبحر الذي رسمتُه الف مرة ومرة في طفولتها ومازالت تلاحق رائحته في كافة المدن التي تزورها وحتى في الجبال… صيدا هي أول انفتاح على السفر فمن البحر والسماء حلم الانطلاق… كل ما هو أساسي في شخصيتها كوّنتْه صيدا، هي تلك الكائنة التي لا تحدّها حدود وفي جذورها مدينتها التي حملتها مع حلمها لتجول العالم وفي داخلها شبق للسفر عبر الكون.