اتخذ العمل الدبلوماسي الجزائري بعد اندلاع الثورة التحريرية أسلوبا مغايرا لما كان عليه قبل الثورة وذلك بعد التيقن أن مجادلة فرنسا لن تفضي إلى حل سلمي بأقل الخسائر وعليه رافقت الدبلوماسية السياسية العمل المسلّح ووضعت السياسة الخارجية للثورة التحريرية نصب أعينها تدويل القضية لدى الأممالمتحدة مرورا بالمؤتمرات الاقليمية. واقتضت التحولات الحاصلة في محيط الجزائر القريب والبعيد تبنيها لغة حوار وتحركٍ نابعة من مبادئ سياستها الخارجية المستقاة مما رسمه لها الدستور وأيضا الخلفية الثورية التي مكّنت دبلوماسيتها من خوض غمار كفاح سياسي أضيف إلى الكفاح المسلح وأوصلها إلى الظفر بالاستقلال. ورغم التقلبات الحاصلة في محيط الجزائر على جميع الأصعدة والعمل على تلغيم الجغرافيات القريبة منها لا تزال الجزائر ترافع لنفسها ولكل القضايا العادلة عبر العالم سواء تعلّق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو الأمن. ولأنّ الجزائر جزء ضمن الكل دافعت على كل القضايا العادلة في العالم، من قضايا التحرر إلى المطالبة بعالم متوازن سياسيا واقتصاديا متكافئ الفرص تسوده العدالة والانصاف. بل ورافعت لوئام مدني و مصالحة وطنية صارا يحتذى بهما في العالم. وتحقيق مثل هذه الأهداف يقتضي أمرين أولهما الحفاظ على استقرار المجموعة الدولية وثانيهما تبني لغة حوار وحل سلمي للقضايا الحاصلة في بؤر التوتر الجديدة أو القديمة. وبالتالي على السياسة أن تلعب الدور الأمثل في تقريب وجهات النظر في كل الخلافات سواء في الدولة القُطرية أو العلاقات البينية بعيدا عن استعمال السلاح أو التدخل العسكري. وإن كانت الجزائر تحتفل في 8 أكتوبر باليوم الوطني للدبلوماسية فإنّها تقف على انجازات تحققت و تسترجع نضالا طويلا في مسار دفاعها المستميت على مصالحها وقضايا العالم المنصفة وحركات التحرر وفك النزاعات ورأب صدع العلاقات المتوترة بين عديد الدول والسعي لدى أخرى لإقناعها بضرورة التعاون في مسائل ما كما حدث خلال سعيها الدؤوب ونجاحها في تحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين في إيران من 79 إلى 81 مجنبة المنطقة نزاع جديد كان سيأخذ أبعادا خطيرة. ولعل ما يُسجل للسياسة الخارجية الجزائرية بشهادة العالم وقوفها على مسافة واحدة من جميع ملفات النزاعات الإقليمية والدولية لا تحيد عنها في زمن صارت كثير من الدول تغذي دبلوماسيتها بالنهل من أجندات معلومة لقاء مصالح آنية ولو كان ذلك على حساب الأمن الاقليمي. وعندما نقف عند انجازات الدبلوماسية الجزائرية نسترجع المفاوضات العسيرة التي قادها أبناؤها مع المستعمر الفرنسي طيلة سنوات من الصلابة و اللين ، و اسقاط الثورة الجزائرية لسبع حكومات فرنسية ، وهندسة الأمن الدولي النابع من الحوار ولا شيء سوى الحوار و تبنيها صوت الاعتدال المبني على المقاربات الأسرع لتحقيق الإجماع بين المتنازعين ما أكسبها احترام الشركاء والعالم من حولها. أما في الشق الاقتصادي فلا تزال الجزائر ضمن مجموعة كبيرة من دول العالم تطالب كما طالب الرئيس الراحل هواري بومدين خلال الجمعية العامة الأممية في 1974 بإعادة النظر في علاقة شمال جنوب وايجاد نظام اقتصادي مبني على توازن المصالح والعدل.