هناك العديد من النظريات التي تمنح وسائل الاتصال دورا كبيرا في التأثير على الرأي العام و على توجهاته بشكل عام و في جميع المجالات السياسية , الثقافية , الاقتصادية و الاجتماعية , و من رواد نظريات التأثير هذه , لازارسفيلد صاحب نظرية التأثير غير المباشر عبر من سماهم بقادة الرأي و نظريته ما زالت سارية المفعول عبر مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في جميع مناحي الحياة الذين أصبحوا قدوة لملايين المعجبين و المعجبات في الجهات الأربع للمعمورة ؛مثله مثل ماكلوهان صاحب نظرية التأثير التكنولوجي ,و التي تتلخص في عبارته الشهيرة (الوسيلة هي الرسالة) و مفادها أن الرسالة الإعلامية تصل إلى الناس عبر وسيلة ,و هذه الوسيلة تغيرت عبر التاريخ عدة مرات (اللسان –الكتابة-الطباعة-الصحافة- الراديو-التلفزة -الهاتف -الأنترنت وسائل التواصل الاجتماعي و تطبيقاتها...) و كلما تغيرت وسيلة التواصل , إلا و كان لها أثر كبير على المجتمع , و حدثت تغيرات جذرية في السلوك بقطع النظر عن محتوى الرسالة , إذ الوسيلة عندما تكون جديدة هي التي تؤثر في المجتمع و تجعله يسلك سلوكا جديدا... و هذان المنظران و غيرهما منحوا وسائل الإعلام قدرة كبيرة على التأثير في الجماهير, و بالتالي المساهمة في صناعة الرأي العام و توجيهه نحو مواقف دون مواقف أخرى , و لكن عبر استراتيجيات محددة مسبقا. و هذا يفرض توفر شروط لنجاح السياسة الإعلامية , و هي شروط يمكن للباحثين أن يعددوا ما شاءوا من العوامل و الخصائص المتعلقة بوسائل الاتصال , أو بمضمون الرسائل , أو بمجال النشاط , غير أن لغة المصالح هي التي تصنع النجاح أو الفشل , لأنها لغة تتجرد من العواطف و الانفعالات, فالإعلام في سعي دائب لإيجاد علاقة المنفعة و أدوات الارتباط بمصالح أكبر عدد من الناس, مع الملاحظة هنا أن المصلحة لا تنحصر في النطاق المادي الضيق. و هي ملاحظة ضرورية لتفسير *الثورة * التي أحدثتها وسائل الاتصال الحديثة و شبكات التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي العام العالمي , أو المحلي , كونها أتاحت لمستعملي النت مساحات واسعة لنشر المعلومات بضمان سرعة وصولها لأكبر عدد من القراء والمتلقين خلال فترات قصيرة جدا, مع توفير فرص متنوعة من أجل التفاعل مع القراء والمتابعين في أي مكان من العالم , إلى درجة عوضت هذه المواقع وسائل الإعلام التقليدية. الفيسبوك للعامة و التويتر للخاصة وإذا كانت شبكة الفايسبوك التي تتصدر ترتيب مواقع التواصل الاجتماعي بأكثر من ملياري مستخدم عبر العالم , تعتبر شبكة للتواصل العام مفتوحة لجميع الفئات و الهيئات و الأشخاص (الحقيقيين , الافتراضيين و الآليين) , فإن شبكة التويتر التي نقلت خدمة الرسائل النصية القصيرة من شبكة الهاتف إلى شبكة الانترنيت تعتبر شبكة للتدوين المصغر و موقعا للنخبة من زعماء و حكام و سياسيين و مشاهير ممن اتخذوها منصة للتواصل فيما بينهم و مع جمهورهم . و يقدم مشغلو التويترموقعهم على أنه *واجهة ما يجري في العالم و ما يناقش من مواضيع في الوقت الراهن* . و هكذا تَحَدَّد مجال اهتمام مسؤولي هذا الموقع , في توفير منصة للتواصل المحدود و الآني عبر تغريدة لا يزيد عدد حروفها عن 140 حرفا و هو ما فرض على مستعملي الموقع على التكيف مع هذه القاعدة بالتزام الإيجاز و التعبير المباشر و تفادي الحشو ما أمكن , خلافا للبيانات السياسية التي فقدت نجاعتها كأداة طورتها البيروقراطية الحزبية لنقل مواقفها وقراراتها إلى المناضلين بالدرجة الأولى و من خلالهم إلى المجتمع السياسي ككل. و غالبا ما يصاغ البيان السياسي وفق قوالب جامدة تتطلب المقدمات و الحيثيات و التذكيرات قبل الإعلان عن المستجدات التي قد تشمل مواضيع مختلفة لا جامع بينها سوى البيان ذاته و قرار من أصدره . و تجب الإشارة هنا , إلى أن التويتر يمكنه استيعاب أي بيان سياسي بعد تجزئته إلى عدة تغريدات , غير أن تأثير التغريدات و انتشارها سيكون أقوى وأوسع من نشر البيان السياسي الأصلي بالطرق التقليدية. و هو ما جعل التويتر ينقل المبادرة السياسية إلى الأشخاص على حساب الكيانات السياسية من أحزاب و هيئات رسمية , فأصبح السياسي النشط على شبكة التويتر يجعل بتغريداته ذات الانتشار الواسع حزبه و معرضيه السياسيين أمام الأمر الواقع بخصوص الكثير من القضايا المثيرة للجدل . و هذا ما يفسر اقتطاع شبكة التويتر جزءاً كبيراً من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عبر العالم حيث قدر عدد مستخدميه ب 330 مليون مشترك أواخر 2017 , و في مقدمتهم الرئيس الخامس و الأربعون للولايات المتحدةالأمريكية , دونالد ترامب , الذي وصفه البعض *بأمراطور التويتر* لإدمانه التغريد على شبكة التويتر بوتيرة يومية تقريبا منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية سنة 2015 ,مستعملا حسابه الشخصي الذي فتحه على هذه الشبكة منذ 2009 , غير أنه لم يستقطب جموع المتابعين إلا في غضون الحملة الانتخابية التي خاضها ضد منافسته هيلاري كلينتون و بعد فوزه غير المتوقع عليها , مما رفع عدد متابعي حسابه إلى 44مليون متابع حسب بعض التقديرات (كان عددهم 20,5مليون يوم تنصيبه رئيسا) . و للمقارنة فإن الرئيس السابق باراك أوباما لم يرسل سوى 340 تغريدة عبر موقعه الرئاسي على التويتر , في حين تجاوز عدد تغريدات ترامب على حسابه الشخصي 34200 تغريدة , منتزعا بذلك اعتراف خصومه بتميزه في التعامل مع وسائل الاتصال الجماهيري في القرن الحالي . و مقدما الدليل العملي على أنه لا وجود لموضوع أو قضية يتعذر عرضها ب140 حرفا. مبدأ ترامب الغاية تبرر التغريد و كنا قد استعرضنا من قبل ظاهرة ترامب في علاقته بشبكة تويتر, استنادا إلى تحليل أجرته جريدة لوموند الفرنسية التي لاحظت أن الرجل عادة ما يشرع باكرا في التغريد موزعا انتقاداته اللاذعة بعصبية على خصومه سواء على حسابه الشخصي (بلا تحفظ) , أو على حسابه الرسمي الرئاسي (مع شيء من التحفظ) , علما أن هذا الحساب الأخير قد ارتفع عدد متابعيه من 13 إلى 19 مليون بمقدم ترامب إلى البيت الأبيض. تحليل الجريدة الفرنسية استهدف تغريدات ترامب خلال الشهور الخمسة الأولى من فترة رئاسته و عددها 1177 تغريدة منها 817 تغريدة أصدرها عبر حسابه الشخصي و البقية على الحساب الرسمي , هذا الأخير الذي خصصه للمواضيع ذات الطابع المؤسسي بنسبة 40% و لقضايا الوطنية بنسبة 14,8% و ما تبقى للأحداث الجارية . و في حسابه الشخصي خص الإعلام ب15,8 % و المعارضة ب17,3% من تغريدياته , و ما تبقى يتوزع على قضايا الأمن و الاقتصاد و الوطنية و المؤسسات و المجتمع و المختلفات ... أما من حيث النبرة المستعملة , فإن تغريدات ترامب توزعت بين لهجات النقد الحادة , و المدح و الإطراء و الرضا عن النفس و الحياد و الوعد و الجرأة و الشعبوية و الاحتفاء . و إذا كان ترامب مداوما على التغريد طيلة أيام الأسبوع فإنه يكون أنشط يومي الخميس و الجمعة (34% من التغريدات). كما أن 46 % من التغريدات دونت في الصباح بين الساعة السادسة و منتصف النهار , و الوقت الذي لم تسجل فيه أي تغريدة ,هو بين الثانية والرابعة صباحا. و يبرر ترامب لجوءه إلى التويتر للتواصل مع ناخبيه و العالم , للالتفاف على وسائل الإعلام التقليدية لموقفها المنتقد تجاهه , و التي ينعتها باسم *الأخبار الزائفة* و كذا لتجنب بيروقراطية الإدارة الأمريكية و بطء القنوات الرسمية , حتى و إن كانت هذه *الاستراتيجية*في التواصل مع الناس ,تبقيه غير مفهوم لدى 66 % من الأمريكيين الذين ليست لهم حسابات على شبكة التويتر , ما دام مبدأ ترامب هو الغاية تبرر التغريد. حيث أن ترامب يكفيه من تغريداته أن تحقق المبتغى منها سياسيا او اقتصاديا و خاصة انتخابيا , و من ذلك التغريدات المستهدفة لبعض الشركات , مثل شركة جنرال موتورز التي تراجعت أسهمها في الأسواق بتغريدة من ترامب و نفس الخسائر مُنِيَت بها شركة *لوكهيد مارتن* مصنعة الطائرات المقاتلة و كذا شركة بوينغ , و أجبر شركة *كاريير* لصناعة المكيفات , على البقاء في أمريكا بعد إعلان نيتها نقل مصنعها إلى المكسيك و اضطرت شركة فورد من جهتها إلى إلغاء مشروعها لبناء مصنع في المكسيك, و غيرها من المكاسب التي جناها ترامب بأقل من 140 حرفا على حسابه بشبكة التويتر , مما دفع الكثير من القادة السياسيين و الصناعيين إلى الإذعان لإرادته بعد أن كانت تغريداته تثير سخريتهم . و هكذا علمت تجربة ترامب سياسيي الغرب, أن تغريدة على شبكة التويتر قد تغني عن عشرات البيانات السياسية التي لا يلتفت إليها أحد , و السؤال هل كان لتغريدات سياسيي العرب نفس الأثر ؟