تزاحمت الدول التي تتحرّك منذ عشريات من الزمن من أجل أن يكون لها مكان في اللعبة الجيو استراتيجية في العالم ،عند باب المملكة العربية السعودية ، مطالبة بكشف النقاب عن كل ملابسات قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، الذي قالت المخابرات التركية أنّه عُذِّب و قتل و قطّع واختفت جثته في قنصلية بلاده في اسطنبول ،عندما دخلها لإتمام إجراءات إدارية . إلى هنا يبدو الأمر معقولا لأنّ تصرف عواصم هذه الدول جاء تحت الصدمة ، فهول الفعل كان أكبر من أن يتصوّره عقل بشر ، بشر لم يطّلع على ما يمكن أن تصير عليه الاغتيالات السياسية عندما يتعلق الأمر بتصفية حسابات أو يكون أمن دولة على المحك. و رويدا عاد العقل إلى ذات العواصم لأنّ الأمر مرتبط بمصالح صُرف لتنفيذها و جني ثمارها من المال و الجهد الكثير ، و لا يمكن لأيّ عائق أن يقف في وجهها و مصالح الغرب - حتّى عندما نضيف إليه تركيا بفؤادها المسلم و الشرقي - مرتبطة بجني المال من الحروب الدائرة في الشرق الأوسط و الصراعات الخفية و الظاهرة في الخليج ، و من أسواق الاستثمار و بيع الذخيرة و التنقيب عن الذهب الأسود و انتظار الهبات و المساعدات و كبح قوّة نووية اسمها إيران و أيضا العمل لاستقرار أمن كيان اسمه اسرائيل .. في هذه الحالات تستجمع الولاياتالمتحدة و تركيا و فرنسا و ألمانيا و بريطانيا و كندا و أستراليا عقلها و لو بعد حين. و رغم أنّ الولاياتالمتحدة منعت دخول 21 سعوديا إلى أراضيها فهذا لا يعكر الجو على المصالح المتبادلة بين الدولتين و الولاياتالمتحدة لا تفوّت أيّ فرصة تتاح لها على مسرح الأحداث العالمية من أجل أن تغمس أنفها و يكون لها موقع قدم في هذه القضية أو تلك لأنّ التحرك معناه النشاط و النشاط جالب للمنافع برأي الأمريكيين ، و لا يختلف معهم الفرنسيون و لا الألمان - رغم تهديدات ميركل - و لا البريطانيون - رغم مقاطعات ماي - و الكنديون .
ثم إنّ الولاياتالمتحدة الداعم الأول للمملكة العربية السعودية في صراعها * الأزلي * مع إيران و بالتالي هل يمكن أن تغيّر واشنطن موقفها من الرياض لأجل البحث عمن قتلوا جمال خاشقجي و الولاياتالمتحدة الدولة الوحيدة التي لم تتفوّه منذ وقوع الحادث بالقول بعدم التعامل مع السعودية أو توقيف صفقات بيع أو تجميد استثمار. و قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بمبيو أنّ بلاده ستحافظ على مصالحها مع السعودية و تعاقب المسؤولين على اغتيال خاشقجي ، و عندما تتحرك الولاياتالمتحدة في الاتجاه الإيجابي تجاه الرياض ، فعلى فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و كندا و تركيا و باقي القطيع أن تحتفظ برأيها لنفسها و تلتفت إلى مصالحها و لنا في حرب سوريا و ليبيا و اليمن النموذج الصارخ ، لأنّه لو توقفت مصالح هذه الدول لتوقفت الحروب . ف ش