أجرى موقع "بلومبيرغ" المقابلة ليلة الأربعاء 3 أكتوبر أي بعد يوم واحد من اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، الناقد المعروف لسياسات الأمير والذي يعيش في الولاياتالمتحدة منذ عام 2017 فيما وصفه بأنه منفى اختياري. ومنحت صحيفة "واشنطن بوست" خاشقجي منبرا للكتابة ونقد الوضع في السعودية الذي وصفه بالخانق وغير المحتمل حتى لمن يريد توجيه النقد الهادئ لقيادة البلاد. وظل خاشقجي متمسكا بموقفه "الناصح" للقيادة السعودية وليس داعيا للثورة عليها، ففي "عنقه بيعة". ولم يحب فكرة تغيير النظام وتحدث لمجلة "إيكونوميست" في تموز (يوليو) الماضي قائلا إنها "فكرة سخيفة" وعلى النظام السعودي الاستماع للنقاد لا إسكاتهم.وما حدث له داخل القنصلية السعودية في اسطنبول قلب كل حسابات الأمير الذي كان يحضر حملة سحرية لجلب المستثمرين لرؤيته 2030 التي يبشر بها منذ عام 2016.والمشهد الآن يبدو مختلفا عما كان قبل أسبوع نظرا لتتابع الأحداث والتسريبات من مسؤولين أتراك وأمريكيين حول فرقة قتل أرسلت لتركيا خصيصا لتصفية الناقد السعودي. وحديث عن مسؤول في الطب الجنائي حضر لكي يشرف على عملية تقطيع الجثة بمنشار عظام. بالإضافة لتنصت أمريكي على حوارات تشير لقرار على مستوى عال، من الديوان الملكي لاختطاف خاشقجي ونقله إلى السعودية لسجنه. @@انهيار الصورة ولوهلة بدا كل ما عمله بن سلمان طوال العامين الماضيين من أجل إصلاح صورة بلاده في الغرب وإبعادها عن الارتباط بالتشدد والإرهاب يتبدد أمامه. فقد مضى بعيدا في جولته الأمريكية هذا الربيع وقدم تنازلات في كل شيء خاصة القضية الفلسطينية من أجل الحصول على قبول الغرب له. ولكن اختفاء خاشقجي قلب كل المعادلات وأخاف حتى الداعمين له ووضعهم في موقف حرج كما بدا بمقالة توماس فريدمان المعلق في "نيويورك تايمز" الذي بشر بالربيع السعودي ودافع بحماس عن الأمير المصلح. ولكنه اضطر للكتابة عن الجانب المظلم الذي تفوق على المضيء عند الأمير وأشار إلى المتشددين الذي يحيطون به والذين يدفعونه لكي يتصرف مثل الصين القوة العظمى التي تمرر ما تريد رغم النقد والشجب الدولي. وذكر فريدمان، الأمير الشاب بأن الرياض ليست شنغهاي، ويجب أن تكون قوة ناعمة مثل دبي. وقال إليوت أبرامز الذي عمل في الأمن القومي مع إدارة جورج دبليو بوش، إن اختفاء خاشقجي سيلاحق السعودية مثل الشبح. وقال في "واشنطن بوست" (11/10/2018) إن خاشقجي كان ابن المؤسسة السعودية ولم يكن ثوريا ولا متطرفا أو داعية عنف وان مقتله لو ثبت سيكون خطأ كبيرا وجريمة فادحة. وقال أن خاشقجي فقد السيطرة على مصيره عندما دخل القنصلية وكذا ولي العهد الذي عليه التحرك لاستعادة السيطرة على مصيره وقول الحقيقة.وحتى لو قال الحقيقة فسيترك الحادث تداعياته السلبية على السعودية. ويبدو أن حلفاء بن سلمان حتى من تزلف له ودافع عنه استفاقوا فجأة لواقع سياساته التي تبناها في الداخل والخارج والتي اتسمت بقمع وإسكات معارضيه المفترضين وحتى من دافع عن رؤيته الإصلاحية في محاولة منه كما كتب خاشقجي السيطرة على "السرد". بالإضافة لحروبه في اليمن التي خلق فيها أكبر كارثة إنسانية ونشر فيها الجوع والمرض والموت وحصار قطر بذريعة دعمها للإرهاب. وبدأت يده تطال المعارضين في الخارج حيث كشفت صحيفة "إندبندنت" (12/10/2018) عن محاولات اختطاف أمير معارض يقيم في ألمانيا وإغرائه بالعودة إلى القاهرة "لمساعدته" ماليا. وكشف خالد بن فرحان آل سعود، أن خمسة أمراء اختفوا عندما حاولوا مشاهدة الملك سلمان وطرح موضوع خاشقجي، مضيفا أن هناك خمسة أمراء آخرين اختفوا من منافيهم ولا يزال مصيرهم مجهولا ومنهم عبد العزيز بن فهد وخالد بن طلال وتركي بن بندر. وشبهت مسؤولة بمنظمة حقوقية ملاحقة المعارضين في الخارج بحملات الزعيم الليبي معمر القذافي ضد من أسماهم "الكلاب الضالة" في أوروبا قبل عقود. وبالتأكيد فقد كشف اختفاء الناقد السعودي القناع (رغم عدم وجوده) عن وجه بن سلمان الحقيقي وها هي مجلة "إيكونوميست" (13/10/2018) في افتتاحيتها تقول إن ولي العهد السعودي لم يعد مصلحا بل ديكتاتورا مارقا اعتقل آلاف الناشطين واحتجز رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري لمدة أسبوعين ووصلت يداه الطويلتان إلى الخارج، ففي آذار (مارس) احتجزت ناشطة نسوية معروفة وهي لجين الهذلول في أبو ظبي، ونقلت بسرعة إلى السعودية ومن ثم إلى السجن. وفي ايلول (سبتمبر) تعرض ناشط سعودي ساخر يقيم في لندن إلى عملية ضرب. وقالت إنه يحكم وكأنه الوحيد الذي يملك الأجوبة. وأصبح نظامه يشبه ديكتاتورية عربية قومية – ليبرالية من الناحية الاجتماعية ولكن مركزية يسكنها الرهاب والذعر، وأصبحت وعوده بسعودية جديدة متسامحة تتلاشى. ويعتقد باتريك كوكبيرن كما كتب غيره أن ملاحقة بن سلمان لخاشقجي، تتناسب مع أنماط معروفة عن الأنظمة الديكتاتورية العربية وهي لا تهدف لتصفية المعارضين مهما كانوا غير معروفين، بل واستفزاز من يحاول منهم في الداخل والخارج إظهار أي ميل ولو كان خفيفا للنقد. ويرى في مقالته بصحيفة "إندبندنت" (12/10/2018) أن أفعال الديكتاتوريين تتشابه من ناحية اتخاذ قرارات غير متوازنة وعدم الاستماع للنصح. فقد غزا العراق الكويت بنتائج كارثية وحرب واسعة عام 1990 وغزت السعودية اليمن عام 2015 حيث تورطت في مستنقعها والآن مقتل خاشقجي حسبما يؤكد الأتراك. ويبدو أن حسابات القيادة السعودية هي أنها تستطيع التعامل مع مقتل صحافي في داخل قنصليتها بتركيا لأنها نجت من النقد على جرائمها التي ارتكبتها في اليمن. @@هل أساء التقدير؟ ولكن السؤال يظل متعلقا بحسابات بن سلمان في الحادث الأخير وإن أساء تقدير رد الفعلي الدولي واستعداد العالم لعزله؟ وهو ما طرحه نيك روبرتسون، المعلق في شبكة "سي أن أن" الذي لاحظ صمت البيت الأبيض على اختفاء خاشقجي في البداية ثم التحول في لهجة الرئيس دونالد ترامب والذي ربط الرد بصفقات السلاح مع السعودية. فمنذ زيارة ترامب للرياض وإعادته ترتيب العلاقة مع المملكة وتحديد إيران كهدف لسياسته الخارجية، ظن المسؤولون السعوديون أنهم يستطيعون عمل ما يريدون بدون الاستماع لأحد سوى الرئيس المهووس ببيع السلاح ولا يهمه حقوق الإنسان. ويتساءل إن كانت صداقة بن سلمان كافية لحمايته. ويشير إلى أن دراما خاشقجي، هي الأخيرة التي جعلت المراقبين الدوليين يتساءلون عن استقرار ولي العهد. ويشيرون للرد المفرط من الرياض على تغريدة من مسؤولة كندية بشأن حقوق الإنسان في المملكة. وكان ردا غريبا بعد الانقلاب في حملة العلاقات العامة عندما سمح للمرأة السعودية قيادة السيارة. وفي الوقت الذي لن تتوقف فيه الدول عن بيع السعودية السلاح أو مواصلة العلاقات الدبلوماسية، إلا أن حادثة خاشقجي تثير شكوكا بشأن مستقبل ولي العهد، ففي الوقت الحالي هو الوريث المحتمل لكن السياسة السعودية تبدو أحيانا قاسية وهناك الكثير من الأمراء في الرياض وليس غريبا أن يجتمع عدد منهم ويخبرون الملك سلمان أن ابنه أصبح خارج السيطرة. وهل سيكتشف الملك أن تعويله على القيادة الجديدة والفرع السلماني كاف لإنقاذ المملكة والعائلة. فمن ناحية يسهل التخلي عن ماركة حاول تقديمها لكن التخلي عن المملكة أمر لا يمكن التسامح معه.والمشكلة ليست في الملك سلمان، ولكن في رهانات أمريكا على ولي العهد. فقد بات معروفا أن جارد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس هو من هندس العلاقة وأقنع الرئيس باختيار السعودية كأول محطة له في زيارته الخارجية بعد توليه الرئاسة. وكان الرهان هو صفقات أسلحة ب 110 مليار دولار وتوجيه الإستراتيجية نحو إيران. وتساءلت "نيويورك تايمز" (11/10/2108) عن صحة خيار كوشنر وترامب على بن سلمان، مشيرة إلى أن اختفاء خاشقجي، هو امتحان للعلاقات الأمريكية – السعودية. وبل ويجد الرئيس نفسه أمام صف موحد من الكونغرس يدعو لكشف حقيقة ما حدث لخاشقجي. ومن هنا كشف موقع "ذا إنترسيبت" (12/10/2018) عن الضغوط التي تواجه العلاقة الأمريكية – السعودية. وجاء في التقرير أن اختفاء خاشقجي يهدد بتفكيك شروط تحالف عمره عقود بين الولاياتالمتحدة والسعودية. وعلى مدى تسعة أيام منذ دخوله قنصلية بلاده تصاعد النقد من صناع السياسة والإعلاميين حتى من تزلف منهم لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فقد منحت السعودية شيكا مفتوحا لأمريكا سواء سياسيا أو عسكريا حيث طالبت أصوات لإعادة التفكير في العلاقة القديمة التي بدأت فيما بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت العلاقات الآن محلا للتساؤل. وتواجه شركات العلاقات العامة التي تعمل من واشنطن وقتا صعبا خاصة، شركة هوغان اند لافيلز وغلوف بارك غروب وبراونستين مع زيادة الضغط عليها لقطع العلاقات مع المملكة. وبدا التحول في الخطاب بشأن السعودية واضحا في مراكز البحث. ودعا نائب مدير الأمن بمركز التقدم الأمريكي، وهو المركز الليبرالي المؤثر على واشنطن لوقف صفقات الأسلحة للسعودية. وقبل عامين كان مركز التقدم يدعو إلى الحفاظ على العلاقات الأمريكية-السعودية كما هي. وحذر المعلق اليميني والزميل في مجال العلاقات الخارجية وأحد المدافعين عن التحالف الأمريكي- السعودي ماكس بوت، من "الثمن الباهظ" الذي سيدفعه السعوديون لو ثبت أنهم قتلوا خاشقجي. وأرسل يوم الأربعاء رئيس لجنة الشؤون الخارجية بوب كوركر، ممثل ولاية تينسي الجمهوري، رسالة إلى الرئيس ترامب بشأن اختفاء خاشقجي.والسؤال: هل أصبح بن سلمان مثيرا للمشاكل بدرجة لم يعد يحتملها ترامب نفسه؟ وهو ما حاول غريغوري غوس، الباحث في شؤون الخليج تجليته بمقالته في "نيويورك تايمز" (12/10/2018) وأن اختفاء خاشقجي هو آخر إشارة تهور السعودية في ظل ولي العهد، ورغم اعترافه أن العلاقة الأمريكية- السعودية لم تقم أبدا على القيم المشتركة إلا أن السياسة السعودية باتت تهدد مصالح الولاياتالمتحدة. ويقول إن سياسته التي هدفت لتحريك السياسة الداخلية من ناحية الحد من سلطة المؤسسة الدينية والسماح للمرأة بقيادة السياسة وفتح مجال الترفيه. وبالمقارنة فقد كانت سياسته الخارجية من قطر إلى اليمن فقد كانت فاشلة وخطيرة. إلا أن ترامب لم يقم بالحد من تهور بن سلمان. ويعتقد أن أمريكا بحاجة لسعودية مستقرة وهي بحاجة في الوقت لسعودية لا تهدد استقرار المنطقة. وهو ما طرحه الباحث في بروكينغز شادي حميد بمقال بمجلة "ذا أتلانتك" (11/10/2018) من أن تصرفات بن سلمان تؤثر على قرار ترامب إعادة تشكيل الإستراتيجية الأمريكية بحيث تتمحور حول السعودية الجديدة المتغيرة. ويأمل أن يؤدي حادث اختفاء خاشقجي لصحوة الجانب من ترامب الذي عبر فيه عن نفاد صبره من السعودية واعتمادها العسكري على الولاياتالمتحدة عندما كان مرشحا ورئيسا الآن. ويرى الكاتب أن المشكلة في العلاقة التعاقدية نابعة من إقامة تحالفات مع دول لا تشترك مع أمريكا بقيمها وبل ولا تشترك معها في المصالح. ويعتقد حميد ان الاستعانة بالمتعهدين الخارجيين المتهورين الذين لا يحترمون الولاياتالمتحدة كان دائما خطأ وقد تحول الآن أصبح احراجا. وحتى من لا يهتمون كثيرا في حقوق الإنسان بالشرق الأوسط فإن اختفاء خاشقجي يطرح أسئلة على مصداقية حليف يصر على التصرف بهذه الطريقة الصفيقة.