غادرنا في بحر الأسبوع المنصرم إلى الأبد ، أحد أبرز الوجوه المحسوبة على فصيل المناضلين الأوفياء ، المنافحين عن مسرح الهواة ، كحركة فنية حرة واعية ، لها دورها المفصلي في تعبئة و تبصير المجتمع ، و بخاصة الشباب ، بقضاياه اليومية والمستقبلية .. لا أبتغي في هذه الوقفة التذكرية الإسهاب في تعداد مناقب الراحل : مختار عثماني ومأثره ، بقدر ما ألوي الرسو عند أهمية نضالاته و تضحياته التي صنعت منه رجلا صلبا و طيبا في ذات الوقت ، كأنموذج يحتذى به في الإصرار و الحزم ، والإستماتة في الدفاع عن أفكاره وأرائه حول المسرح والمجتمع .. كانت هذه الميزات الطبعية هي كل ما كنا - كشباب جامعي - نعرفه عن الراحل ، إلى أن التقيناه بمستغانم في إحدى دورات مسرح الهواة ، فاقتربنا منه و تحدثنا إليه بخصوص مسائل معرفية عن المسرح و طبيعتة الأرسطية الخالصة ، فاستغربنا لأرائه التي أبداها عن الدراما و الدرامية ، وتشاكلنا معه وتشاكسنا ، وافترقنا على وقع ونقع اللاتفاهم .. و بعد سنوات ، تجدد لقائي بالراحل في ندوة دراسية مسرحية بمدينة سيدي بلعباس ، و تبادلنا حوارا هادئا ناضجا عن الممارسة المسرحية في الجزائر ، فاستمالني بقوة حجاجيته و منطقه إلى تمثل أفكاره عن طبيعة المسرح الذي ينبغي لنا تبنيه في مثل مجتمعاتنا الحديثة العهد بأبي الفنون .. ومن ثمرة هذا الحوار ، أنني أصبحت أكثر قربا من سي المختار الذي لبى دعوتي له إلى قسم الفنون في 2006 ، حيث قرأ لنا مقاطع من مسرحياته ، وتحدث يومها للطلبة عن اللغة في النص المسرحي الجزائري وأهميتها البنائية ، الجمالية والإيصالية .. وتوالت لقاءاتي بالراحل ، وتشاركنا الحديث في الكاكي الذهبي ، وفي أعقاب عروض مسرح الهواة ، عن واقع الكتابة والإخراج المسرحي ، ومستقبل مسرح الشباب في أحضان الجامعة ، وفي ظل المتغيرات العولمية على الصعيد الإقتصادي ، الإجتماعي والثقافي .. و في أثناء إنشاء هذه هذه الأسطر ، ارتسمت أمام ناظري ملامح مختار عثماني المستبشرة ، عندما تحققت أمنية سعى سعيا حثيثا مع الفنان جمال بن صابر إلى تجسيدها ، تجلت في ترسيم اتفاق تعاون بين قسم الفنون بجامعة وهران و مهرجان مسرح الهواة في الذكرى الأربعين لتأسيسه ( 1967 - 2007 ) .. رحم الله الفقيد ، ودامت روحه وأرواح : بن عبد الحليم ، كاكي ، علولة ، سيراط ، بن قطاف ، بن براهيم وغيرهم من الراحلين ، ترفرف حوالي قلعة الهواة في قادم الطبعات ، تتلهف إلى استعادة الشباب لزمام الأمور على مسرحهم ، الذي يمثل بحق ترجمانا أمينا لاهتماماتهم وانشغالاتهم ، وطوق نجاة لأمالهم وأحلامهم ...