اعتقد الاستعمار الفرنسي ان احتلال الصحراء و إخضاعها تحت الهيمنة الاستعمارية سيتم بسهولة،لكن فوجئ بتضحيات شعب آمن بقضيته الوطنية، كان الأهالي بمناطق توات و قوراره بادرار يعيشون الفقر ، والظلم و اللاعدل على غرار باقي جهات الوطن. فمناطق العرق الغربي الكبير ،تينركوك، فاتيس، عين حمو،قصر قدور وغيرها كان أولى الضحايا فيها هم الاطفال والنساء والعجزة والمسنين.. ومع انتشار الثورة عبر كامل التراب الوطني تطبيقا لقرارات مؤتمر الصومام في 20 اوت 1956 بدا نقص الأسلحة يشكل هاجسا حقيقيا بالصحراء وجلب الاسلحة من اي منطقة كانت اضحى مستحيلا،ما ادى بقيادة الثورة بالمنطقة ان تقوم العناصر التي تود الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني الانخراط أولا في الجيش الفرنسي بصفة مهاري ثم بعد مرور بعض الوقت الهروب بالاسلحة والعتاد ثم الالتحاق بجيش التحرير. ثورات العرق الغربي الكبير أرعبت المستدمر وقد زادت الاهمية الاستراتيجية للصحراء الجزائرية في السياسة الاستعمارية بعد اكتشاف النفط في جانفي 1956 لاول مرة بمنطقة عين امناس بجانب الحدود الليبية،وفي شهر جوان من نفس السنة يسجل اكتشاف اكبر حقل للبترول الجزائري، كان هذا بحاسي مسعود،وهو ما دفع بها الى اجراء مسح جيولوجي للتنقيب عن البترول بمناطق توات و قوراره والعرق الغربي الكبير بشكل عام، بهدف استنزاف هذه الثروة واستعمالها في الصناعة الحربية ضد الشعب الجزائري . . وكان ديغول يفكر ان يصنع من فرنسا امة طاقوية على غرار سلفه نابليون الذي كان يريد ان يجعل فرنسا امة مقاتلة . بترول الصحراء الذي سيصدر الى فرنسا ثم الى اوروبا ،وهذا الخبر الجيوستراتيجي القاضي بعزل الصحراء عن باقي التراب الجزائري تناقلته القنوات التليفزيونية بالمانيا الغربية في نشرات الاخبار ،و أصبحت الشركات البترولية مدللة لدى الجنرال ديغول من اجل تغيير الظروف المادية والمعنوية لفرنسا. استعمل الجنرال ديغول كل القوة العسكرية لحرق و تصفية الجزائريين. و ردا على إجراءات السلطات الاستعمارية أعلنت الحكومة المؤقتة الجزائرية عن طريق ناطقها الرسمي محمد يزيد في بيان شديد اللهجة والوضوح ،بان الحكومة الجزائرية لن تعترف بالعقود المبرمة بين مختلف الشركات البترولية والحكومة الفرنسية وان المفاوضات ترتكز حول كل التراب الجزائري بما في ذلك الصحراء. وبدات اولى الهجمات على القطارات المحملة بالبترول ،وعندما كان الجنرال ديغول يواصل زيارته الخاصة بالصحراء لا تزال الحرب ببقية الجزائر مستمرة ،المعارك بلغت ذروتها في الاوراس و القبائل و الونشريس وجبال القصور والمدن الكبرى و الارياف. الصحراء تخرج عن سكونها المعتاد وتفجر احدى اعظم المعارك التي دارت في الصحراء عبر العالم ,إنها معركة العرق الغربي الكبير ،وقد تخللت هذه الملحمة عدة معارك بطولية قبل الانتفاضة التي اشعلت فتيل ملحمة العرق الغربي الكبير . كان السي امحمد الهاشمي الذي كان مكلفا بالاتصال على مستوى هذه المنطقة يجتمع مع افراد من المهارية على بعد 600 م من المعسكر لمدة 3 ليالي متتالية التي سبقت الانتفاضة . السي امحمد الهاشمي استقال من المهارية سنة 1953 بعد ان شارك في حرب الهند الصينية وشارك ايضا في الاستعراض العسكري الضخم الذي اقيم بباريس الى جانب الجنرال ديغول . عندما وصل السي الهاشمي امحمد الى تينركوك في اوائل 1957 جلب معه بندقية وعلم وطني وبيان اول نوفمبر وبدا في تعبئة الشعب وشرح القضية الوطنية ومواصلة النضال ،وشرع في التحضير للاشراف على الانتفاضة والمشاركة فيها بالتنسيق مع بعض افراد كتيبة المهارية . ،تم القضاء على 08 ضباط وضباط صف والاستلاء على كل الاسلحة والمؤونة الموجودة منها ،100 بندقية من نوع ماط 36 ، 03 ثطغ رشاشة من نوع 24 / 29 ، 12 بندقية رشاشة ، 03 اجهزة ارسال واستقطاب ، 06 صناديق من الذخيرة ، 04 ملايين فرنك فرنسي ،و 225 جملا ،بالاضافة الى فرار 63 مهاريا جزائريا . العدو يُخرب كل آبار تيميمون لضرب أي متحرك بالصحراء انتفاضة حاسي صاكه كانت خلاصة لتوعية واسعة قام بها افراد من جيش التحرير الوطني منذ سنة 1956 ،فمنذ ذلك التاريخ وسكان الجنوب الكبير واعون بأهمية الثورة التي عمت كافة أرجاء الوطن . وكان افراد جيش التحرير الوطني بهذه المنطقة الرملية الصعبة نشيطون في تنقلاتهم وقائمين بمهامهم المتمثلة في الاتصال بالأهالي مستغلين في ذلك حركة القوافل ،بالإضافة إلى انجاز عدة نقاط للتموين بقصور وأبار الصحراء . بعد وصول خبر تمرد مهاري حاسي صاكه الى تيميمون شنت الشرطة الفرنسية حملة قمعية استهدفت المشتبه فيهم في كونهم مموني الخزائن الخاصة بالمجاهدين بكامل الاقليم . واحدثت هذه الانتقاضة ضجة كبيرة وسط هيئة اركان جيش الاحتلال ،وكانت موضوع العديد من المقالات في الصحف الفرنسية في ذلك الوقت ،حيث تناولت صحيفة " لوفيجارو " هذه العملية تحت عنوان " 8 اوروبيين قتلوا في الصحراء من قبل جنود مسلمين ".وقامت القوات الفرنسية باعنف حملة بقتل اكبر عدد ممكن من الجمال لتكون من بينهم جمال الفارين . وكانت الطلعات الجوية التي قامت بها القوات الفرنسية هدفها تخريب كل الابار التي كانت موردا للمجاهدين وضرب اي متحرك بالصحراء ،ويقول السيد بوسعيد مسعود الذي كان وقتها موالا بهذه المنطقة " استمر الطيران الفرنسي في قنبلة مربع مساحته 200 كيلومتر مربع من دون انقطاع ،ويذكر التاريخ ان الطائرات العسكرية ظلت تحلق فوق سماء المنطقة طويلا قصد ترهيب هؤلاء الناس البسطاء ،وكانت ترمي بمنشورات لتحذير السكان من محاولة التعاطف مع الثوار او الانضمام اليهم باعتبارهم ارهابيين وبربر همج مخربون على حد عزم فرنسا الاستعمارية ،وقد تعرضت وقتها الى قصف الطائرات حيث قضت على جميع الاغنام التي كنت ملكا مع اخي باضافة الى 6 جمال ونجوت انا لعدم رصدي من طرف الطائرة المقنبلة نظرا لوضعية التمويه التي اتخذتها حول النباتات ،بعدها التحقت سيرا على الاقدام لمسافة تزيد عن 100 كلم للوصول الى المحتشد الذي حددته القوات الاستعمارية لقاطنة العرق الغربي الكبير بحاسي صاكة ،حيث عاشت الاسر الجزائرية حياة صعبة للغاية في ظل نقص الغذاء وغياب الماوى وتفشي الامراض الخطيرة في اوساط الاهالي ،ناهيك عن الظلم والاستبداد الذي كان يفرضه الجيش الفرنسي علينا وبقينا على هذا الحال الى غاية 1959 حين سمح لنا بمغادرة المحتشد " ". فرحات يقرر مغادرة المنطقة والسير نحو بشار والهاشمي يفضل الاستمرار بالمكان .وذكر المجاهد بريك ،ان فرحات قال لهم لقد حققنا انتصارا كبيرا على فرنسا واسقطت عدة طائرات فهذا يكفينا ،ونظرا لردم الابار و صعوبة البقاء بالعرق سنذهب الى جبال منطقة بشار ،فقال الهاشمي امحمد ، يجب ان نبقى بهذا العرق وسنواصل نحن .وقرر العقيد بيجار التحرك بسرعة لمحاصرة المجاهدين ومنع انسحابه ،وتقوم هذه الخطة على انزال الكتيبة الثالثة جوا في تبلكوزة وقد شرعت المروحيات من نوع " ليامبي " في نقل مظليي الكتيبة الثالثة نحو جنوب حاسي غنبو.فيما قام المجاهدون بالتخفي على شكل هلال داخل النباتات حيث حفروا حولها متخذين بذلك وضعية دفاعية ، وكان سانتناك اول من يسقط من قوات الاحتلال ،وقد تبع سقوط هذا الرقيب الاول مقتل الملازم الاول " روهر " . المظلية الثالثة فقدت اثنين من رؤساء فصائلها ،مما جعل بيجار يامر بانزال الكتيبة المظلية الرابعة واستمر القتال الى غروب الشمس ... يقول باتريك شارل رونو في كتابه " المعارك الصحراوية " ظلت المعركة حامية الوطيس الى غاية السادسة وخمسة واربعين دقيقة مساء في مواجهة مقاتل صلب ومنضبط يرمي بشكل مدهش ، لم يستسلم احد من المجاهدين للعدو برغم تفوقه الكبير برا وجوا ،وعندما توقف القتال لاحظ العدو ان ذخيرة المجاهدين قد نفذت عن اخرها ،كما لم يعثر على اية قطرة ماء داخل ادلانهم . . تواصلت المعارك بالعرق الغربي الكبير بعد معركة حاسي غنبو التي لقن فيها المجاهدون قوات العدو درسا في الشجاعة والاقدام اعترف بها ضباط العدو انفسهم .