واحد من خيرة ما أنجبت الصحراء الجزائرية ، المجاهد الزاوي بحوص ، أحد صنّاع ملحمة العرق الغربي الكبير ، يروي تفاصيل احتضان المنطقة للثورة و مساهمتها في صناعة إلياذة الاستقلال رغم شروع فرنسا في تنفيذ مشروعها في فصل الصحراء . المجاهد الزاوي بحوص يقول متحدّثا ل « الجمهورية « عرفت الثورة الجزائرية بداية من النصف الثاني لسنة 1956 قمة تنظيمها وذروة انتشارها ،مما جعل صداها يلوح في مناطق الجنوب الغربي التابعة في مجملها الى الناحية الثالثة للمنطقة الثامنة للولاية الخامسة وبعض من أجزائها الترابية للولاية السادسة . وفي هذا السياق ، تحول المجاهد الدين سليمان بعد تسريحه من صفوف المهاره الى التجارة بين توات والأبيض سيدي الشيخ ،حيث نجح في الاتصال بعناصر جبهة التحرير الوطني ببوسمغون والأبيض سيدي الشيخ سنة 1956 ، ومنهم المجاهد عقون أحمد المدعو أحمد بلعور في جبل تمدا . كان هذا الاتصال بداية التحضير للاجتماع السري التاريخي الذي جرى بتينركوك صيئف 1956 في منزل الزاوي الشيخ مقدم زاوية سيدي الشيخ بنفس البلدة الذي حضره 11 شخصا ونذكر منهم الشهيد الهاشمي امحمد المدعو بونافع ، افتتح هذا الاجتماع السري المجاهد الزاوي الشيخ بن مبروك قائلا ، « ...نحن سائرون الى الجهاد في سبيل الله ، ومادامت المنطقة لا تساعد على الجهاد سننتقل الى الأبيض سيدي الشيخ ومنها الى جبل تمدا حيث معقل الشيخ بوشريط . و بعد الاجتماع انتقل الهاشمي الشيخ مع ستة من رفاقه الى جبل تمدا ،وبقي الهاشمي امحمد مع المجاهد الدين سليمان والشهيد نواري نوار المدعو بن حدوش والشهيد الشيخ بوبكر أحمد المدعو قريش . تولى مسؤولية هذه النواة الشهيد بونافع .وفي رسالة من قيادة الولاية الخامسة بفقيق نقلها المجاهد الدين سليمان تطالب بحضور الهاشمي امحمد ،الذي انتقل في الثلاثي الثاني لسنة 1957 والتقى بالضابط عقبي عبدالغني المدعو عمار الذي سلمه العلم الوطني وأختام الجبهة وعينه مسئولا سياسيا وعسكريا لمنطقة العرق الغربي الكبير ،كما أهداه بعض الأسلحة وطالبه بضرورة التنسيق مع الملازم فرحات بلعيد مسؤول بوادي الساوره . و يضيف محدّثنا أنّ اجتماعا انعقد بداية 1957 بقصر عين حمو بمنزل سي امحمد الهاشمي و تم تعيين مسؤولي العروش ومراكز التمويل كإجراء تنظيمي ومباشر لجمع الأسلحة . كان السي امحمد الهاشمي في صفوف المهاره برتبة عريف أول ،مما خول له الاتصال في صفوف المجندين في كتائب المهاره التابعة لقوات الاحتلال الفرنسي لعلاقته السابقة بهم ، وبالفعل تمكن بفضل ما يتميز به من قدرة أن يقنعهم بالتعليمات الموجهة من مسؤولي الجبهة ، وهكذا تواصل الاتصال بصورة دورية ومستمرة بين عناصر جبهة التحرير الوطني والمجندين في صفوف المهاره ، بهدف الحصول على المعلومات حول قوات العدو الفرنسي ومخططاته ، وفي نفس الوقت تسريب الأسلحة والذخيرة من ثكنات العدو الى جيش التحرير . وفي هذه الاستراتيجية اندرج أول اتصال بين سي امحمد الهاشمي والسيد علي حناني ومحمد بن دحمان في جانفي 1657 ،حيث التقى كل المهارية وقرروا سويا الانتفاضة في مثل ذلك التاريخ من السنة القادمة « . وكانت استراتيجية قيادة الثورة فتح جبهة جديدة في العرق الغربي الكبير لتوسيع رقعة الثورة وضمان نقاط تمويل دائمة لجيش التحرير الوطني ، وقد وقع الاختيار على فصل الخريف أو الشتاء نظرا للظروف الطبيعية القاسية للصحراء حيث يتابع المجاهد الزاوي بحوص حديثه عن تاريخ الثورة التحريرية قائلا ، « تم عقد اجتماع تنسيقي بين شهري أوت و سبتمبر في واحة النخيل قرب مركز تمويل تامزلان بقيادة سي فرحات وسي امحمد الهاشمي ،حيث أن الملازم فرحات بلعيد حضر في نحو 30 من جنده قصد رفع معنويات المجاهدين وتشجيعهم على المضي في العملية . وقد استعرض سي فرحات مسيرة الثورة في باقي انحاء الوطن الجزائري المحتل وضرورة نقلها الى الصحراء ،مؤكدا على احداث تنظيم رسمي لجيش التحرير بمنطقة العرق الغربي الكبير ،في حالة نجاح العملية ،بحيث يكون سي فرحات بلعيد قائدا وسي الهاشمي امحمد محافظا سياسيا وقائدا عسكريا لجبهة التحرير بالمنطقة . وهكذا تم تعيين الهاشمي امحمد وعبد القادر الزيادي المدعو كحلوش قصد الانسحاب مع المهارة المتمردين الى المركز الذي يقيم به سي فرحات ،كما تم تعيين جماعة تقوم بالهجوم على ثكنة تيميمون بالتزامن مع انتفاضة حاسي صاكه . نفذ المهارية العملية بدقة ، وفي تلك اللحظات الحاسمة والتي تعد بحق المنعرج الأساسي في مسيرة المجتمع في منطقة العرق الغربي الكبير ، سمع سي امحمد رفقة عيشاوي والزاوي مول الفرعه والزيادي عبد القادر طلقات الرصاص التي كانت إيذانا بدخول المنطقة في الثورة وبداية مرحلة تاريخية جديدة . اسفرت هذه العملية على القضاء على ثمانية جنود من الجيش الفرنسي ،وهم مجموع القياديين الموجدين داخل الثكنة ،وانضم باقي جنود الكتيبة من الجزائريين الى جيش التحرير الوطني ،ناهيك عن غنم 100 بندقية من نوع ماط 36 و 3 قطع رشاش من نوع 24 / 29 و 12 بندقية رشاش و 3 أجهزة ارسال و 6 صناديق من الذخيرة و 4 ملايين فرنك فرنسي و 240 جمل ، وكان عدد المهارية المتمردين 65 مهاريا وصل المهارية إلى حاسي سوينات على الساعة الثامنة من صبيحة 16 أكتوبر ، أي في اليوم الموالي لانتقاضه حاسي صاكة ومنه الى حاسي جديد الشرقي ،حيث فوجئ المجاهدون بست طائرات تحلق فوق رؤوسهم ،كانت الطائرات من نوع جاقوار تحمل المظليين ،وطائرات أخرى مختلفة تتبعهم طائرات بي 26 والطائرات المروحية . وجد المجاهدون أنفسهم محاصرين بالمظليين وأصبحت المواجهة حتمية ، فبدأت المعركة صباحا حيث كانت المشادات قوية مع الطائرات طول النهار أسقط المجاهدون خلالها طائرة من نوع بي 26 فأوقعوا 26 قتيلا و 39 جريحا ،انسحب المجاهدون دون إصابتهم و في أمسية يوم الثلاثاء 6 نوفمبر لاحظت حراسة المجاهدين بمناظرهم اقتراب سيارات لوند روفير قادمة من الفايجه الكحلة باتجاه حاسي تسلغه وفور الإعلان عن ذلك ،قرر الملازم فرحات نصب كمين لهذه القافلة المحروسة من قبل حامية عسكرية فرنسية فكلف فرقة سليمان بن عبدالله المشكلة من 35 مجاهدا لمحاصرة السيارات عند منحدر الفايجه الكحلة . اطلق المجاهدون النار من وضعيات صعبة بسبب التقدم السريع للسيارات الذي منعهم من التمركز واختيار النقاط الاستراتيجية ومع ذلك اعترف الملازم بلانات بقوة المجاهدين وسرعتهم في تنفيذ العمليات العسكرية ، مما أدى الى مقتل 5 عناصر من كتيبته في ذلك الكمين وفي هذا الكمين الذي دام من الثالثة مساء الى غروب الشمس تم أسر عشرة عمال في شركة ( بترول الجزائر )كما تم حرق ست سيارات تابعة لشركة البترول واتلاف عتادها . هذا الكمين أحدث هزة عنيفة مما دفع العديد من الشركات الى الغاء عقودها مع حكومة المحتل الفرنسي . إن ما حدث بحاسي صاكه يوم 15 أكتوبر وما اعقبه في 6 نوفمبر 1957 أحدث صدمة عنيفة اربكت صفوف العدو مما اضطرها الى الاستنجاد بأحد محترفي حرب الادغال الجنرال بيجار قائد اللواء الثالث للمظليين الذي كان ببشار منذ 22 أكتوبر 1957 . « . في خضم هذه الاحداث الثورية بالمنطقة ،عمدت السلطات الفرنسية المحتلة الى عزل الثوار بمنع أي اتصال بهم منشاة ما عرف آنذاك بالمنطقة المحرمة ،وذلك بوضع الأهالي في محتشدات محروسة . ويذكر التاريخ ان الطائرات الفرنسية ظلت تحلق فوق سماء المنطقة طويلا ،قصد ترهيب هؤلاء السكان ، وفي الوقت الذي كانت الطائرات الفرنسية تنفذ مهمتها عبر الصحراء ،كانت الشرطة السرية الفرنسية تمارس الاعتقال والتعذيب في تيميمون ومحاولتها لافتكراك أي معلومات من أي مشتبه فيه ، كما القت القبض على ما يزيد عن 90 مناضلا وحجزت 35 قطعة سلاح ، فيما خلف الطيران الفرنسي جرائم ضد العزل راحت ضحيتها عائلة قويدر بن عبد الحاكم المشكلة من زوجته واطفاله الثلاث ،الذين حرقوا بالنابالم في بيتهم ،بالإضافة الى قتل 28 شخصا والقضاء على 512 جملا و تدمير 5 آبار و 6 بيوت . تواصلت المعارك بالعرق الغربي الكبير بعد معركة حاسي غنبو الشهيرة في 21 نوفمبر 1957 والتي تعد ثاني أكبر معركة تدور رحاها بالصحراء بعد معركة « العالمين « بالصحراء الليبية في الحرب العالمية الثانية ، والتي شهدت استشهاد 43 مجاهدا من بينهم القائد الفذ سي امحمد الهاشمي بعد أن لقنوا قوات العدو درسا في الشجاعة والإقدام أعترف بها ضباط العدو أنفسهم حيث قام المظليون بعد انتهاء المعركة بتقديم التحية العسكرية أمام جثامين الشهداء الطاهرة . و في الختام يقول محدثنا زاوي بحوص : حرب التحرير حرب مقدسة والعدو كان يسعى لإنهائها ولم يفلح ،انتصرنا بتوفيق من الله. وبهذه المناسبة ادعو شبابنا الى التمسك بتاريخ ثورته المجيدة والسير على خطى الشهداء الابرار الذين دفعوا ارواحهم فداء لوطنهم ،