«العشق المقدنس» رواية لعز الدين جلاوجي ، صادرة عن دار الروائع للنشر و التوزيع، تقع في مائة و خمسة و ستين صفحة، و في تسعة عشر فصلا، و لكل فصل عنوان . العجيب أو العجائبي في الرواية العربية الجزائرية موضوع يحتاج إلى نقاش حول سؤال قد ينفتح على أكثر من رأي، و قد نتفق أو نختلف حول وجود رواية عجائبية في الجزائر، و لكن هذا لا يمنع من أن بعض النصوص الروائية استطاعت أن تضم مشاهد عجائبية تشفع لها قدرتها على التجريب في استثمار الطاقات التعبيرية للرواية العجائبية في تمرير خطابات تحقق متعة لدى القارئ و منفعة. . تمثل رواية "العشق المقدنس" نقلة نوعية في الكتابة السردية الجزائرية على العموم ، و إضافة مميزة للكتابة السردية لدى عز الدين جلاوجي ، و قد اشتغل هذه الروائي على هذا النص ، و استطاع باقتدار أن يعيد بناء المستقبل من خلال قراءة الماضي ، و قراءة المدونة الفكرية و الأدبية العربية عبر مجموعة من الأحداث و الوقائع في مدينتين : تيهرت،تاهرت و الجزائر العاصمة. جاء بمشاهد تقوي درامية الأحداث بجمالية عجائبية؛"..... و تمطط في الحكاية ما أسعفها خيالها، زعمت إحداهن أننا عملاء لليهود و النصارى الذين يسعون إلى سرقة ثروتهم من بترول الشمس و غاز الصخور، و ادعت ثانية أن الفتاة جنية أرسلت لاختبار تقوى أمير المؤمنين، الذي أحرقها و هو يغض بصره مرتلا عليه آيات من ذكر الله الحكيم، و روت عن أخيها الذي يعمل حارسا في القصر، أنه قد شاهد الجنية تتعرى تماما أمام الأمير....غير أن أخرى زعمت و هي تقسم بأغلظ الأيمان، أن الفتاة هي من أميرات الجن فرت مع أخيها من مملكتها و جاءت لتهب نفسها لأمير المئمنين..."( الرواية:43) إن رواية العشق المقدنس نص يشعرك بالرعب و بالخوف و الغربة و الاغتراب و الفاجعة، و نص استفاد من تقنية الرواية العجائبية في سرد أحداث ممكنة الحدوث و مستحيلة التحقق إلا بقدرة المتلقي على التخييل، و من ثم فهو نص نص يرهن المستقبل بكتابة تضمن للخطاب أفقا ينهل من العجائبية قيمه الجمالية حول رواية العشق المقدنس. "...و اندفعت الجموع بين راكض و مهرول، و جرفنا التيار باتجاه البريد المركزي، و بالضبط إلى الساحة الكبيرة التي تنبسط أمامه، و قد أعد وسطها ميدان حمل لافتة كبيرة اسم" ميدان الحدود"، تتقدمها منصة رخامية كبيرة بسقيفة خضراء، و إلى جوارها بيت صغير، يظهر أنه يضم أدوات تنفيذ الحدود، و توسط الساحة زير كبير ملئ حجارة حجمها مما يملأ قبضة اليد..."(الرواية:44 ، 45 ) بمثل هذه المشاهد و غيرها تنبني جمالية هذه الرواية التي يجد القارئ لذة و استكشافا و هو يسافر نحو هذا النص متجاوزا عادات القراءة إلى عادة جديدة لقراءة المخيِّل بتوظيف أدوات غير معتادة لبناء روائي يعتمد التجريب في كل شيء رغبة في التحسين أو التقبيح أو المطابقة بين واقع و خيال في جزائر التحول و البحث عن مستقبل مشرق أو أمل قد يأتي. إن الرواية رصدت لنا بلبالا في التفكير و ضياعا في المشاريع؛".. كان حظي منها كتيب بعنوان " الكفر و الجنون في كتابات الزنديق أركون" أسرعت أدسه في محفظتي، تنقلت عيوننا حائرة بين الرفوف، كان همنا العثور على كتب في الفلسفة و الفكر و الأدب.....(الرواية:43) إن العشق المقدنس نص سردي أجاد التضمين و الإشارة و الاقتباس من القرآن الكريم و الحديث الشريف و من المدونة التراثية و الحديثة لينتج نصا يعتمد على بلاغة الإيصال و التوصيل برؤية استشرافية انطلاقا من النظام الدولي الجديد بلغة متميزة تؤسس بلاغة خاصة تتجاوز المألوف و المعتاد من الحكي و المعتاد من الكتابة للوصول إلى جمالية المفارقة بين الأشياء و أضدادها، و بين الأمور و متبايناتها ، و بين الأحباب و الأعداء ، و بين الشركاء و الخصوم." ...تنحنح فاهتز الجميع صياحا، و قال: - يا عدو الله و عدو رسوله، أ ترى أن الله في السماء؟ رد الشيخ يثبات، دون أن يتحرك من مكانه: - الله في السماء، هذه عقيدتنا، فكيف تنفيه يا عدو الله، و هو القائل:« الرحمنُ على العرش استوى"، و القائل سبحانه:« أ أمنتم منْ في السماء؟". قال الشاب، و قد ارتفع صوته، يقلب نظره في الجمهور، كأنما يطلب دعمهم: - و ما تفعل يقوله:« و هو الذي في السماء إلهٌ و في الأرض إلهٌ"، و قوله:« فأينما توَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله» ؟...(الرواية: 24 ، 25)