الشهر الفضيل يستقبله نحو 1.8 مليار مسلم حول العالم في توقيت صعب جراء تفشي فيروس كورونا الذي خيم بظلاله على الأجواء الرمضانية هذا العام، واتخذ معظم البلدان إجراءات احترازية لمنع تفشي الفيروس، فجرى إغلاق المساجد، وحُظرت صلاة التراويح فيها، فباتت تقام في المنازل، كما حظرت التجمعات المسائية للناس معا في وقت الإفطار وولائم الإفطار الجماعي ، التي اعتادوا فيها على تجديد أواصر الصداقة والتراحم الاجتماعي بينهم وتقديم المساعدة والصدقة إلى المحتاجين. وقد أثر فيروس كورونا على أقدس المواقع الإسلامية، فالمسجد الحرام في مكة صامت، والمسجد النبوي في المدينةالمنورة مغلق، وأبواب المسجد الأقصى في القدس مغلقة.هذه الظروف تدعونا لأن نقف وقفة تأمل وتساؤل كيف نستعد لاستقبال هذا الضيف ونحن نعيش هذه الظروف؟ إن شهر رمضان موسم تغفر فيه السيئات وترفع فيه الدرجات وتتنزل فيه الرحمات ولله في كل ليلة منه عتقاء من النار فطوبى ثم طوبى لمن تعرض لنفحات ربه وجوده وإحسانه عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، قال صلى الله عليه وسلم : إذا دخَل رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ ، وسُلسِلَتِ الشياطينُ . متفق عليه.وفي رواية: فتحت أبواب الرحمة. وقال صلى الله عليه وسلم: « إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادى مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ». رواه الترمذي. الصيام ..نعمة عظيمة إن بلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة يفرح بها المؤمنون وحُق لهم ذلك يقول تعالى :﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون ﴾ إنه موسم عظيم من مواسم التجارة الرابحة مع أكرم الأكرمين مع الغنى الحميد سبحانه وتعالى، يده ملأى لا تغيضها نفقه لو أن الخلق جميعًا جنهم وإنسهم قاموا في صعيد واحد فسأل كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عند الله شيئًا إلا كما ينقص المحيط إذا أدخل البحر.، وإذا كان التجار يستعدون للمواسم التي تضاعف فيها الأرباح فحري بالعبد الموفق أن يستعد لهذا الموسم العظيم الذي تضاعف فيه الأجور بغير حد ولا مقدار قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ ومن الصبر الصبر على طاعة الله. بل جاء في السنة ما يدل على مضاعفة أجر الصيام بغير حد قال صلى الله عليه وسلم : كل عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ الحسنةَ عشرةَ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ . قال اللهُ عزَّ وجلَّ : إلا الصومُ . فإنَّهُ لي وأنا أجزي بهِ . يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي. فدل على أن الأعمال تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم ، فإنه يضاعف بغير حد ولا مقدار. فعلينا أن نستعد لهذا الشهر الكريم ، والاستعداد لاستقباله يكون بأمور منها: التوبة النصوح إلى الله ّ، لأن الذنوب تحول بين العبد والخير فتكون عائقًا عن القيام بالأعمال الصالحة فإذا تاب من ذنوبه انبعثت النفس بالطاعات وأقبلت عليها. قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أيها العبد المذنب - وكلنا كذلك - اجعل من رمضان فاتحة خير عليك واملأ قلبك بأنوار الطاعات المتنوعة في هذا الشهر واستدرك ما فات من تقصيرك وأقبل على الله يقبلِ الله عليك ، فإن في شهر رمضان من أسباب مغفرة الذنوب ما ليس في غيره قال صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ , فَقَالَ : " رَغِمَ أَنْفُ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ , فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ , فَقُلْتُ : آمِينَ , ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَدْرَكَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ , فَقُلْتُ : آمِينَ , ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ , فَقُلْتُ : آمِينَ " . فهذه أسباب عظيمة لمغفرة الذنوب في رمضان فمن أدرك رمضان ولم يغفر فيه ذنبه فقد خاب وحرم خيرا كثيراً. الدّعاء وفعل الخيرات ومما يستقبل به الشهر النية الصادقة على الاجتهاد فيه في الطاعات، فإن النية الصالحة من أسباب عون الله للعبد وتوفيقه ، قال تعالى : ﴿ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وقال تعالى : ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ فدلت هاتان الآيتان على أن النية الصالحة سبب لتوفيق الله لعبده ، فحري بالعبد المسلم أن يعقد النية على فعل الخيرات في رمضان والاجتهاد في ذلك ، فكأنه يقول بلسان الحال : لئن أدركت رمضان ليرين الله ما أصنع. وينبغي للعبد الإكثار من الدعاء بأن يعينه الله على مرضاته في هذا الشهر فإنه ليس الشأن بلوغ الشهر فحسب بل بالتوفيق فيه للطاعات فكم من إنسانًا بلغه الله الشهر لكنه لم يوفق فيه للخير بل ربما ارتكب الكبائر فيه. فليكثر المسلم من الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وهذا الدعاء عام في رمضان وفي غيره لكن الحاجة تتأكد له في رمضان ومما يجدر التذكير به أن شهر رمضان كله محل للدعاء قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية : وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخلِلةً بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر. انتهى. وقد جاء في السنة ما يفيد بأن دعاء الصائم ترجى إجابته ، قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأ نصرنك ولو بعد حين. رواه الترمذي ، فاحرص يا عبد الله على الاجتهاد في الدعاء في رمضان ، فحري بمن أدمن قرع الأبواب أن يُفتح له.