يتعزز موقف المجتمع الدولي الرافض للحل العسكري للأزمة الليبية يوما بعد يوم وتتوالى الدعوات إلى الاحتكام لقرارات الأممالمتحدة ومخرجات مؤتمر برلين لتسوية سياسية للنزاع وهو الأمر الذي يعزز موقف الجزائر التي لطالما رافعت من أجل مرافقة الإخوة الفرقاء نحو حل سياسي ليبي-ليبي وأكدت رفضها القاطع لأي تدخل أجنبي في هذا البلد الجار. وفي نفس الاتجاه, جدد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي, أمس السبت - خلال لقائه برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج بروما - التأكيد على استحالة حل الأزمة الليبية عسكريا, وضرورة العمل من خلال مسار سياسي يحقق الاستقرار وفقا لقرار مجلس الا?من ومخرجات مو?تمر برلين. وبدورها, بحثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة, ستيفاني وليامز, مع السراج بروما, مستجدات الا?وضاع في ليبيا وجهود الا?مم المتحدة لاستئناف المسار السياسي, بناء على مخرجات مو?تمر برلين وقرار مجلس الامن رقم "2510", للوصول إلى تسوية شاملة في ليبيا. وكانت كل من باريس, روماوبرلين قد دعت كافة الأطراف الليبية إلى "وقف فوري لإطلاق النار وتعليق العمليات العسكرية" وطالبت في بيان مشترك ب"وقف التدخلات الخارجية في الشأن الليبي والاحترام الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بالأزمة الليبية". ودعا الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين, والفرنسي إيمانويل ماكرون, أول أمس الجمعة - في بيان مشترك - إلى وقف عاجل لإطلاق النار في ليبيا واستئناف الحوار لحل الأزمة في البلاد. وأكدا خلال اجتماع عن بعد - دعمهما لاستئناف الحوار بين الأطراف الليبية بالتوافق مع قرارات مؤتمر برلين الذي عقد في 19 يناير الماضي, والقرار رقم 2510 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. كما دعيا إلى توحيد الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة عبر الطرق السياسية الدبلوماسية. وعلى الصعيد العربي, أكد وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع عبر تقنية الفيديو كونفرانس الثلاثاء الماضي, على "أهمية الحل السياسي الشامل للأزمة الليبية", و"ضرورة التوصل الفوري إلى وقف دائم لإطلاق النار, والاتفاق على ترتيبات دائمة وشاملة لتنفيذه والتحقق من الالتزام به (...) والعودة السريعة لمفاوضات الحل السياسي". كما شددوا على "رفض وضرورة منع التدخلات الخارجية أيا كان نوعها ومصدرها (...) وكذا انتهاك القرارات الدولية المعنية بحظر توريد السلاح بما يهدد أمن دول الجوار الليبي والمنطقة" . وأبرز الوزراء في بيانهم الختامي أن "التسوية السياسية بين جميع الليبيين بمختلف انتماءاتهم هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إليها والقضاء على الإرهاب". كما جددوا التذكير ب "الدور المحوري والأساسي لدول جوار ليبيا وأهمية التنسيق فيما بينها في جهود إنهاء الأزمة, مع التأكيد على الالتزام بوحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها".
--- التوافق الدولي على حتمية الحل السياسي تعزيز لموقف الجزائر --- ويأتي موقف المجتمع الدولي ليعزز مجددا موقف الجزائر التي ما فتأت تدعو إلى حل سياسي للأزمة التي تعصف بهذا البلد الجار منذ قرابة العقد من الزمن, مع التأكيد على الرفض القاطع لأي تدخل خارجي مهما كان شكله, وضرورة احترام سيادة ووحدة التراب الليبي. فالمقاربة التي قدمها العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين مماثلة لتلك التي قدمتها الجزائر, والتي أكدت من خلالها دائما على أن الليبيين وحدهم القادرون على إعادة إرساء السلم عن طريق الحوار واستعادة الشرعية الدستورية. ومنذ بداية الأزمة الليبية سنة 2011, لم تدخر الجزائر جهدا لدعم الأشقاء الليبيين حيث احتضنت عدة اجتماعات لآلية دول الجوار, وأجرت مشاورات عدة مع الأشقاء الليبيين, كان آخرها, زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية, فائز السراج في 20 من يونيو الجاري إلى الجزائر, سبقتها زيارة لرئيس مجلس النواب الليبي, عقيلة صالح عيسى, في ال13 من نفس الشهر. و أكد رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون خلال اجتماعه مع عقيلة صالح, على "موقف الجزائر الثابت الداعي إلى الحوار بين الأشقاء الليبيين من أجل الوصول إلى حل سياسي باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بضمان سيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية بعيدا عن التدخلات العسكرية الأجنبية". وبدوره نوه رئيس مجلس النواب الليبي ب"الدور المحوري للجزائر في البحث عن الحل المنشود لأزمة بلاده الشقيقة". ويرى المتتبعون للملف الليبي أن الجزائر بدورها المحايد يمكن أن تلعب دورا هاما في حل الأزمة الليبية. وفي هذا الصدد, يقول مفوض الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي , إسماعيل شرقي أن مقاربة الجزائر لتسوية الأزمة في ليبيا و المبنية على الحوار "تتوفر على كل مقومات النجاح", مشيرا إلى أن الاتحاد الأفريقي "يدعم و يشجع أية مبادرة من شأنها إيجاد حل نهائي للازمة قائمة على الحوار والمصالحة الوطنية". وأوضح السيد شرقي أن المبادرة الجزائرية للتسوية في ليبيا - بحكم عضويتها في اللجنة الرفيعة المستوى للاتحاد الافريقي حول ليبيا و في مجموعة الاتصال المنبثقة عنه - "تتوفر على كل مقومات النجاح", معتبرا أن نجاح المقاربة الجزائرية يعود إلى أنها "تتبنى الحل السياسي للازمة الليبية الذي يضمن احترام إرادة الشعب الليبي ووحدته الترابية وسيادته الوطنية أي من خلال حوار ليبي-ليبي يقوده الليبيون أنفسهم". وفضلا على ذلك, فإن موقف الجزائر "المتوازن" تجاه كل الاطراف الليبية منذ بداية الأزمة جعلها "تحظى بثقة الجميع", وخير دليل على ذلك -كما قال- الزيارة التي قام بها إلى الجزائر في الايام القليلة الماضية كل من رئيس مجلس النواب الليبي, عقيلة صالح, تلتها زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية, فائز السراج, هذا بالإضافة إلى ثقة أعيان وشيوخ القبائل, يضيف السيد شرقي. ويقول المفوض الإفريقي أن المقاربة الجزائرية تتميز أيضا بتفضيل الوساطة التشاركية والتكاملية (...) بتعاون مع دول الجوار ودون إقصاء أي طرف وبدعم من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي. ويؤكد الليبيون أنفسهم هذا الرأي, حيث يرى عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا, سعد بن شرادة, أن "الجزائر بموقفها المحايد بإمكانها أن تلعب دورا في حل الأزمة الليبية عن طريق اللقاءات مع الاطراف الليبية ونقل الصورة إلى الدول المتخاصمة" .