شهدت وهران هذه السنة عدة تذبذبات في التمون بالمياه الصالحة للشرب، وهوما أثار سخط العديد من المواطنين من جهة، والسلطات المحلية من جهة أخرى حيث وضع الجميع مؤسسة المياه والتطهير سيور في قفص الإتهام. فعودة مناظر "الجيريكان" إلى شوارعنا بعد غياب طويل، جعل الجميع في رعب دائم وأعاد إلى أذهان المواطنين أياما سوداء قضاها في مراقبة زيارة هذه المادة الحيوية إلى حنفياته، وكان وقتها السبب الرئيسي يكمن في الجفاف عندما تشح السماء ماءها ما يجعل منسوب السدود ينخفض إلى أدنى مستوياته، خاصة وأن وهران معروف عنها هذا المشكل الذي ظن الجميع أنه تم القضاء، عليه بمشروع تحلية مياه البحر الذي كان حلما تجسد في الواقع. وحتى نفهم ما يجري بالضبط والأسباب التي أدت إلى الأزمة الخانقة التي شهدتها وهران في عز الجائحة، كان لزاما علينا التوغل في الموضوع وتشريح الأسباب من أهل الاختصاص. * اعطاب «محطة المقطع» تحدث خللا وفي هذا الصدد يقول السيد خوجة نائب المدير العام لمؤسسة المياه والتطهير أن وهران تتمون من جهتين، جهة غربية من خزان عين البيضاء وجهة غربية عبر خزان بلقايد. لكن هذين الخزانين لهما مصادر لملئهما وهنا نجد أن مصادر التموين في الجهة الغربية هما سدا بوغرارة و سكاك بولاية تلمسان، عن طريق مأخذ واد تافنة من اجل تموين فوهة بركان دزيوة بعين الطلبة بولاية عين تموشنت. هذا الأخير به كمية تتجاوز (5) ملايين متر مكعب تأخذ منها ولاية وهران ما معدله 20 ألف متر مكعب يوميا، ومحطة تحلية المياه لشط الهلال بعين الكيحل ولاية عين تموشنت تأخذ منها 100 ألف متر مكعب ،يأتيها عن طريق قناة ذات قطر 1600 ملمتر الى غاية خزان عين البيضاء الذي يسع 100 ألف متر مكعب، بالإضافة إلى محطة بريدعة لنزع الملوحة التي تنتج 15 الف متر مكعب يوميا أما مصادر تموين الجهة الشرقية فنجد نظام الماو الذي تأخذ منه وهران حوالي 80 ألف متر مكعب يوميا، الذي يمونه سد الشلف بولاية مستغانم بما لا يقل عن 25 مليون متر مكعب فيما يمونه هو الآخر سد قرقار بوادي رهيو بمائة ( 100 ) مليون متر مكعب، و سد كرادة بمستغانم ب 17 مليون متر مكعب، و كلها تمون نظام الماو الذي فيه ولايات مستغانمغليزان معسكر ووهران. حصة الوزارة من مشروع الماو لكل الولايات هي 200 الف متر مكعب أما حصة وهران في الوقت الحالي هي 80 الف متر مكعب يوميا وأقصاها (100) ألف متر مكعب. أما محطة تحلية المقطع التي من المفروض أن تنتج 500 ألف متر مكعب يوميا لتموين وهرانمستغانم معسكر وغليزان، لا تنتج حاليا سوى 330 الف متر مكعب فقط، وهو ما يمثل عجزا قدره 170 الف متر مكعب يوميا. هذا الخلل يعود الى عدة اسباب أهمها تقنية تتمثل على الأخص في الانقطاعات الكهربائية المتكررة، تعطل المضخات في كل مرة، وتغير نوعية المياه خاصة عند تساقط الأمطار. وتبلغ حصة وهران من محطة المقطع 230 ألف متر مكعب يوميا من أصل 330 ألف متر مكعب التي تنتجها المحطة، حيث يجدر بنا هنا أن نشير إلى أن هناك استراتيجية وطنية تسطر على المستوى المركزي، وهي التي تتحكم في توزيع الحصص المائية ومؤسسة سيور تعمل على تطبيقها، لكن في المقابل هناك نظرة جهوية فمسؤوليتها لا تنتهي عند أخذ حصة وهران فقط بل أيضا توصيل حصص باقي الولايات لأنها تقوم بتسيير داخلي. * تبعية في التموين هذا بالإضافة إلى محطة تحلية المياه كهرماء التي يخصص منها (50)ألف متر مكعب يوميا لوهران و 33 ألف متر مكعب أخرى موجهة لإحتياجات المنطقة الصناعية بأرزيو، فيما تتوفر وهران على بعض المصادر المحلية للمياه بتليلات مسرغين رأس العين وغيرها توفر 10 آلاف متر مكعب يوميا. كل هذه المصادر تمثل نسبة 75 % من الانتاج اليومي من المياه المحلاة، و 23% من المصادر السطحية أي السدود و 2% مياه جوفية حيث يتبين من هذه النسب أن المياه المحلاة والمياه السطحية التي تمثل أعلى نسبة تموين تأتي كلها من خارج الولاية . كما أنها كلها تابعة لقطاع الطاقة وليس للمورد المائية مما يعني أن وهران لا توفر لسكانها سوى نسبة 2% فقط يمكنها أن تتحكم فيه، وهذا يجعلها في تبعية دائمة بنسبة 75% . إضافة إلى هذه التبعية نجد أيضا الأعطاب التقنية على مستوى محطات تحلية مياه البحر، وهو ما يؤثر سلبا على تزويد المياه ولو يكون العطب ساعة أو ساعتين يقع تذبذب، خاصة إذا ما علمنا أن احتياجات وهران في الأيام العادية هو 550 ألف متر مكعب يوميا لكل أنواع الإستهلاكات، لكن خلال موسم الإصطياف وعيد الأضحى وفي شهر رمضان يرتفع إلى 600 ألف متر مكعب، ويتراوح الانتاج حاليا ما بين 480 الف 500 الف متر مكعب يوميا ولتكون وهران في اريحية ولا يقع أي تذبذب في التموين يجب أن تعمل المحطات بشكل منتظم، وتكون وفرة في مياه السدود وبهما تكون وهران في منأى عن أي عطش. لكن في حالة ما إذا وقع أي عطب وتزامن مع انخفاض منسوب السدود لعدم تساقط الأمطار فإن هذا يؤثر سلبا على الساكنة، وهو ما حدث بالفعل خلال فترة التذبذب إذ وصل المنسوب إلى أدنى مستوياته وتزامن هذا مع تعطلات كثيرة خاصة في المقطع حيث جاء كل هذا تباعا مع صيانة القنوات الكبرى التي كان بها تسربات سواء الماو أو تافنة كل هذه العوامل جات في موعد واحد ما أدى إلى انخفاض الإنتاج الذي وصل إلى ما بين220 الى 250 الف متر مكعب في شهر اكتوبر. * حلول استعجالية بعد عدة اجتماعات مع الوزارة سمحت بتخصيص تدعيمات لوهران من ولايات أخرى، تم على إثرها فتح سدا بوغرارة و سكاك بتلمسان الذي سمح لمؤسسة سيور من رفع نسبة فوهة بركان دزيوة وتم بذلك الامور بالمنطقة الغربية في فترة تراوحت من 15 الى 20 يوما، أما الجهة الشرقية فقد تم تدعيمها من سد قرقار. وفي المقابل تم الوقوف على أشغال الصيانة بمحطة المقطع مع السلطات المحلية للتسريع في وتيرة الأشغال، حيث سمحت فعالية الاشغال والإمدادات بالجهة الشرقية منذ 10 أيام بتحسن التموين. وبمجرد وقوع الإنقطاعات سارعت مؤسسة المياه والتطهير إلى تسطير برنامج خاص لتجاوز الأزمة للمرور من التوزيع 24/24 إلى برنامج جديد يعتمد على مبدأ التساوي والعدل في التوزيع وذلك حسب المناطق ووفرة المياه، والذي كان يتغير تدريجيا ويتحسن بارتفاع نسبة الانتاج إلى غاية الخروج من الأزمة، حيث بقي نفس البرنامج لكن مكيف أحسن مما كان عليه في البداية. * إشكال في سرعة الإستجابة للعلم فإن القنوات التي توصل المياه إلى وهران تمتد على مسافة من 100 الى 120 كلم، تستقبلها خزانات رئيسية ببلقايد الذي يسع 300 الف متر مكعب وعين البيضاء 100 الف متر مكعب، التي كلما ارتفع منسوبها كلما كان المواطنون في مأمن وكان الضخ عالي عبر شبكة التوزيع. بينما شبكة الانتاج والتوصيل فتتم عبر 4200 كلم ليصل الماء الى الزبائن، لكن في حالة وقوع اشكال تقني كعطب او كسر او توقف محطة تفرغ القناة من مائها وبالتالي ينضب المخزون، ويؤثر سلبا على الخزانات التي ينخفض منسوبها هنا تبدأ ما يسمى بسرعة الاستجابة ، فبعد تصليح العطب تكون التغذية استرجاعية، إذ أن القنوات ينبغي لها أن تأخذ وقتها لتمتلئ من جديد على طول 100 أو 120 كلم وهذا بطريقة علمية وتقنية ليصل الماء إلى الخزانات من جديد ثم يملأ قنوات التوزيع لتصل الى المستهلك كل هذا يأخذ وقتا طويلا قد يصل أحيانا إلى عدة أيام، حيث يقول المسؤولون على مؤسسة المياه والتطهير أن عطب يوم أو يومين يمكنه أن يستغرق أحيانا 10 أيام لإعادة الأوضاع تدريجيا إلى ما كانت عليه، ومن المناطق التي بها شبكات مهترئة أو في طوابق عليا يكون الوقت أكثر حيث يصلهم الماء متأخرا. * توسعات عمرانية بدون مصادر مائية جديدة دورة المياه التي أسلفنا ذكرها تحتاج لتقنية خاصة، بحيث أنه لا ينبغي أن يكون الضغط عاليا في بداية الضخ بعد اصلاح العطب، بل تكون العودة تدريجية ومع هذا يقول السيد خوجة نائب مدير مؤسسة المياه والتطهير، أن مشاكل وهران مع الماء طويلة ولا تنتهي ولا يقتصر الأمر على العمران القديم فقط بل حتى التوسعات الجديدة التي تقام خارج المنطقة أين لا تتوفر الشبكات ولا الخزانات، فمثلا نجد أن مرسى الكبير مثلا كانت ممونة بشكل جيد لكن بدأت توسعات عمرانية ضاعفت عدد السكان، ومنسوب الخزان الحالي لا يتوافق واحتياجات السكان. ويطرح المتحدث مشكلا آخر يتعلق بالبنية التحتية للمشاريع السكنية الجديدة التي تسلم مفاتيحها قبل الإنتهاء من القنوات المختلفة، وعدم توفير محطات الضخ ولا خزانات اضافية للسكان الجدد مما يضع المؤسسة في حرج أمام السلطات والزبائن. ويقدم لنا السيد خوجة حالة سكنات عدل موقع زبانة على سبيل المثال لا الحصر، والتي هي عبارة عن مدينة احتياجها لن تقل عن ال (50) ألف متر مكعب يوميا في آفاق 2023 ، لكن في المقابل لا يوجد مصدر جديد للتموين ما عدا الموجود في الوقت الحالي، وهنا تجد سيور نفسها مجبرة على تغطية هذا الاحتياج بالكيفية التي تراها ملائمة، من خلال ماهو متوفر لديها بحيث تتسم المنسوب الحالي بين كل السكان وهو ما يوقعها في التذبذب. كما يضيف لنا السيد خوجة مشكل العمارات العالية خاصة التي تلك التي تفوق ال(10) وال (20) طابقا، والتي تعد شيئا جديدا بالنسبة لسيور حسب مسؤولها الذي يضيف أن تسييرها يتطلب تقنيات عالية وأموال لايصال المياه إلى الأعالي، وهو ما جعلهم يشترطون توفر أحواض في المشاريع الجديدة لانه احيانا يتوفر الماء لكن لا يمكن ايصاله للمستهلك بسبب عدم قدرة المضخات، حيث يطرح المشكل بشكل جدّي خاصة في المشاريع الجديدة لعدل.