آليات إدماج الشباب في مشاريع الجزائر الجديدة , هو عنوان واسع يحيل على كل الالتزامات ال54 للبرنامج الانتخابي للسيد رئيس الجمهورية , و لأن معظم هذه الالتزامات هي عبارة عن عناوين كبرى تتطلب التفصيل , فإن اشتشفاف ما يتعلق منها بجانب تشغيل الشباب , يبقى مجرد قراءة قاصرة , أكثر مما تعبر عن حقيقة ما يقصده صاحب البرنامج. بعد هذه الملاحظة التي لا بد منها تنبغي الإشارة إلى أن سياسة التشغيل في الجزائر , هي عبارة عن تراكمات متوارثة عن أنظمة الحكم المتعاقبة , و بالتالي من الصعب محاولة الفرز بين ما أضافه هذا النظام أو ذاك في مجال سياسة التشغيل عامة و تشغيل الشباب على وجه الخصوص,لأن الإضافات تظل في حدود التنويعات الظرفية التي يراد بها تسجيل الحضور أو الالتفاف على العائق أكثر من تقديم القيم المضافة أو إزالة المشكل . ضرورة التخلي عن آليات التشغيل الهشة و هكذا عندما نعود إلى كل التغييرات التي طرأت على أجهزة التشغيل منذ عهد الحزب الواحد إلى اليوم أي منذ عهد مندوبيات التشغيل , سنلاحظ أن جهد السلطات انصب على الحلول المؤقتة لإدماج البطالين في سوق العمل. و هكذا ظهرت سلسلة من آليات التشغيل الهشة , كالشبكة الاجتماعية , و مشاريع المنفعة العامة , أو مشاريع ذات اليد العاملة المكثفة , ثم عقود ما قبل التشغيل , و ما إلى ذلك من صيغ "التشغيل الهش" الذي استمر حتى في ظل "وكالة تشغيل الشباب"أنساج و إرثها الثقيل من مشاريع المؤسسات العاجزة. و لسنا في حاجة إلى استعراض أمثلة مشابهة فهي اكثر من ان تحصى , فمن ضمن حوالي 400 ألف مؤسسة مصغرة أشرفت "أنساج"منذ 1996 على إنشائها ؛ حوالي 45% منها متعثرة , فضلا عن أن أكثر من نصفها هي مؤسسات للخدمات و ليس للإنتاج "أو بالأحرى التركيب". و لكم أن تتساءلوا معنا عن عدد المشاريع المماثلة التي مولتها وكالة "أنجام" للقروض المصغرة , في غياب استراتيجية منسجمة, تثمن هذا المجهود المالي , وتوظفه ليس فقط في إنشاء مناصب عمل و تقليص نسبة البطالة كما لاحظ ذلك رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة , و إنما في وضع أرضية لنسيج صناعي عماده مؤسسات مصغرة تكمل بعضها بعضا , و عندئذ يمكن الحديث عن الانفتاح الاقتصادي و الاندماج الصناعي . و لعل التغييرات التي أمر بها الرئيس بخصوص الوصاية على وكالة دعم تشغيل الشباب "انساج" بجعلها تحت وصاية وزارة المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة بدلا من وزارة العمل والتشغيل، هو تغيير قد يؤتي. معالجة مخلفات التشغيل المؤقت ثماره, خاصة إذا ما أعطيت الأولوية للمتخرجين من الجامعات و من معاهد التكوين المهني , من حاملي المشاريع الاستثمارية ذات القيمة المضافة العالية , و التي لا تتطلب تمويلا ضخما , لكنها تمكن الخزينة العمومية من اقتصاد مبالغ معتبرة من العملة الصعبة. فالنسيج الصناعي هو فعلا نسيج و يتطلب ناسجا ماهرا وليس ما تفرع عن هذه الوكالة , من وكالة القرض المصغر , و صندوق التأمين على البطالة , و وكالة التنمية الاجتماعية ,و كلها آليات عجزت عن تلبية الطلب على مناصب العمل المؤقتة فضلا عن الدائمة. و قد عرفت وكالة "انساج" في نوفمبر الماضي , تطورا جديدا في تسميتها بعد أن تحولت إلى وكالة وطنية لدعم و تنمية المقاولاتية , و نأمل أن يساهم هذا التحوير في التسمية في الزيادة من ديناميكية الوكالة في إنشاء المؤسسات المصغرة , أو المقاولات التي تنعش سوق مناصب العمل الدائمة في عهد الجمهورية الجديدة. فبرنامج الجمهورية الجديدة يعد بإنشاء مليون مؤسسة مصغرة , بمعدل 200ألف مؤسسة سنويا , و هذا يفرض تفعيل آليات مخالفة لتلك الموروثة عن الأنظمة السابقة. نحو إنشاء مليون مؤسسة مصغرة فالذين يعتقدون أنهم يمكن استحلاب أموال الخزينة العمومية و هم قابعون وراء حواسيب أو عبر الهواتف الذكية , أو بشعوذة تطبيقات إلكترونية لا تشبع بطنا و لا تغني من جوع , عليهم تغيير نمط تفكيرهم , لأن مشاريع الجمهورية الجديدة التي توفر مناصب العمل الدائمة ,هي ورشات برنامج الإنعاش الاقتصادي ,التي تتطلب الكثير من العرق ,و هي موزعة على أكثر من 11 قطاعا بدءا من, التنمية الفلاحية,و انتهاء بالتنمية الصناعية, مرورا بالتطوير المنجمي, وتطوير الموارد الطاقوية, وتمويل التنمية,و كيفيات تسهيل الاستثمار, والمؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة،و تطوير قطاعات الدعم،و التحكم في التجارة الخارجية,و الصناعة الصيدلانية,و فرع نشاط البناء والاشغال العمومية والري... فبرنامج الرئيس يتحدث عن الفلاحة الصحراوية , و عن إنتاج الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي تثمين الإنتاج الوطني للصناعات الزراعية والصناعية والخدماتية تعزيز الدور الاقتصادي للجماعات المحلية إعادة تأهيل وتطوير الأراضي الفلاحية إصلاح عميق للحكامة المالية وتطوير قطاع السياحة وتسهيل الحصول على التأشيرة , و بعث مشروع السد الأخضر , و استغلال الثروات المنجمية , و تأهيل مناطق الظل لجعلها مراكز استقطاب السكان لا نزوحهم , و تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية , و تعميم الرقمنة , و في كل ذلك فلتتنافس كل أنواع المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و الناشئة و الحاضنة و العامة و الخاصة و المختلطة . نمط المؤسسات الناشئة والحاضنة و لعل المؤسسات الناشئة و الحاضنة , قد علمت المهام المنوطة بها من خلال بعض مواد قانون المالية الجديد جزاء ما منحها من إعفاءات و امتيازات جبائية على مدى 4 سنوات قابلة للتمديد , مقابل استغلال المواد الخام الجزائرية ,لتقليص فاتورة الاستيراد من الخارج , مما يفرض انجاز و حدات للصناعات التحويلية في البلاد و توفير مناصب عمل للبطالين الجزائريين. و ما قيل عن المؤسسات الناشئة و الحاضنة , يقال كذلك عن بقية ورشات و برنامج الجزائر الجديدة , التي قد تحتاج إلى الاستنجاد باليد العاملة الإفريقية إن تم تفعيلها كلها دفعة واحدة , و ذلك شأن آخر.