إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ» هذا الدعاء، وهذه الإستجابة الفورية، إنما وقعت بمناسبة غزوة بدر الكبرى التي كانت في السنة الثانية للهجرة في السابع عشر من شهر رمضان الفضيل، ولم تكن غزوةً عاديّةً كسائر الغزوات في ذلك الزمن، بل كانت فُرقاناً بين الحقّ والباطل؛ بين الإيمان والكُفر؛ حيث التقى أهل الحقّ القِلّةُ المُستضعَفون بأتباع الكُفر والباطل؛ أصحاب المَنَعة، والقوّة الماديّة، وكثرة الرجال والعتاد، فإن الله أيّد أهل الحقّ بعد أن أخلصوا له وتعلّقت به قلوبهم بنصرٍ حاسمٍ قُسِم به ظهر الباطل و هزم أهله ، لتصبح بعدها غزوة الفُرقان عقيدةً، وشِعاراً، ودستوراً للنصر على مَرّ العصور تتناقله الأجيال في كلّ مكانٍ وزمانٍ؛ فقد خلّد الله -تعالى- ذِكرها في القرآن الكريم، فقال: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لذلك فإن هذا دعاء جليل مختوم بخاتم الإجابة جأر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان صُدِّرَ هذا الدعاء بأقوى وأعظم عبارات التوسل الثلاث : الإستغاثة، والإستعانة، والإستعاذة ولئن كانت هذه العبارات تسجل جميعها جميل التوجه إلى الله فإن الإستغاثة أعظمها جميعا يلجأ العبد المستغيث من خلالها للواحد الأحد يتوسل إليه لكشف الضر ودفع البلاء وحصول النصر ، وهكذا بهذا الدعاء سجل القرآن الاستغاثة على أنها عبادة جليلة مباركة وهي طلب الغوث من الواحد الأحد ، ويوم بدر كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتف بربه ويسأله النصر، ويقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) ولعل قائلا يقول: إن هذه النصوص يؤخذ منها أن هذه الاستغاثة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلماذا أسندها القرآن إلى المؤمنين في قوله تعالى :{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } فالجواب: أن المؤمنين كانوا يُؤَمِّنُونَ على دعائه صلى الله عليه وسلم ويتأسون به في الدعاء، والمُؤَمِّنُ داع بلا شك ، إلا أن الروايات ذكرت دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو قائد المؤمنين. إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سجل يوم بدر اجتهادا لا مثيل له في الدعاء، وجميل التضرع لله ، فسأل مستغيثا بالله، ومستعينا بالله ومستعيذا بالله -عز وجل- كما هو شانه في حياته دائما . فهو يرى ذلك أعظم واجبات الإيمان، وأفضل الأعمال المقربة للرحمن؛ لإن الأمور كلها لا تحصل ولا تتم إلا بذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم كما علم الصحابة الكرام يوم بدر تلك المواقف الإيمانية المباركة فهو يعلمنا، أنه لا عاصم للعبد من ويلات الحروب والهموم والمصائب والأوباء والشرور والأهوال سوى الإعتماد على الله تعالى في جميع الأحوال ، فالاستغاثة بالله وحده تكمن في الإعتماد على الله وطلب العون من الله في الوصول إلى المقصود، وإنَّ طلب العون من الله جل وعلا يكون على الأمور الدينية وعلى الأمور الدنيوية على حد سواء . ولئن كان مما لا شك فيه أن لوقوع المحن وحلول المصائب آثاراً كثيرة على النفوس، فيراها الناس شرا مستطيرا ، إلا ان المؤمن يرى منها الجانب الحسن، وإن أجمل حسنات المصائب والنكبات أنها هي التي ترد النفوس إلى خالقها ورازقها سبحانه، فتتحول المصائب – في حق هؤلاء - من نقمة إلى نعمة ومن محنة إلى منحة، حتى أن سعادة المرء بآثارها تنسيه مرارة آلامها . وهكذا فإذا علَّق المؤمن قلبه بالله إيمانا ويقينا وتوكلا، واستشعر حاجته للإجابة كحاجة الأرض العطشى للغيث وكحاجة الغريق للغوث، ثم دعا ربه بصدقٍ ، أجابه الله وقضى حاجته .