جميع الشرائع السماوية و كل القوانين الوضعية و معظم القيم الأخلاقية المستمدة من مختلف الحضارات الإنسانية أجمعت على أن للجار مقاما عالا ومرتبة تناطح مرتبة القرابة فقد ثبت في الحديث النبوي الشريف «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» مما يؤكد عظم حق الجار بضرورة إكرامه والإحسان إليه ودفع الضر عنه وعيادته عند المرض وتأدية واجب التهنئة في الأفراح ومواساته في الأتراح ، والسؤال المنبعث اليوم من تحت الركام القيمي ، أين نحن من هذه الوصايا الأخلاقية السامية ؟ ...قد لا نكون مضطرين إلى الاستعانة بأبحاث سوسيولوجية و لا دراسات إنثروبولوجية لسبر عمق الهوة التي وصلنا إليها بل يكفي فقط التوجه إلى أي محكمة من محاكم الوطن للوقوف على مآس ما لها آس بين جيران أعلنوا حرب داحس و الغبراء على بعضهم البعض فسقطت الأرواح و تعمقت الجراح و ارتفع منسوب الحقد و الثأر فأغرق الجميع في دوامة من العنف لأسباب تعددت لكن النتيجة المحزنة واحدة . اليوم و مع امتداد الخارطة العمرانية و تنوع الصيغ الإسكانية من « عدل « و«ألبيا « و« اجتماعي « أنشئت أحياء جديدة كانت الطبيعة الإنسانية تقتضي أن تفرز علاقات اجتماعية جديدة لكن الملاحظ في النمط الحياتي المولود من رحم ما يسمى عالم السرعة والرقمنة والهواتف الذكية و«العولمة» أو «القرية الصغيرة» التي بقدر ما جعلت التقارب يتحقق بطرفة عين بين أفراد يقطنون أطراف الكرة الأرضية ألغت في نفس الوقت وبنسبة كبيرة كل اتصال مباشر بين من يتقاسمون نفس أطباق العمارة الواحدة فلا يعرفون حتى أسماء بعضهم البعض فالباب يبقى مغلقا ما دامت شاشة «الأيفون» مفتوحة وما زاد الطينة بلة ظهور وباء كورونا الذي حتم علينا التباعد من باب الوقاية و الحذر، وبطبيعة الحال هذا النمط السلوكي سائد بين السكان المثاليين و المنضبطين الذين يؤمن جانبهم أما إن أمطنا اللثام عن طبقات اجتماعية أدنى فستصفعنا بشاعة العلاقات المشوهة بالإجرام و السطو والتحرش و المخدرات وانعدام الاحترام و إلغاء كامل لحقوق الجار.